سياسة الاحتواء (7)
2018/06/25م
المقالات
2,364 زيارة
سياسة الاحتواء (7)
السّياسة الأمريكيّة واحتواء روسيا والسيطرة عليها
بقلم: سعيد عبد الرّحيم
ومن هنا ندرك خطورة الأفكار السياسيّة على القوى السياسيّة وخطورة الإساءة في معالجتها، ففكرة الوفاق أخرجت القوّة العالميّة للإتّحاد السوفياتي من الحلبة الدوليّة. وفكرة الجلاسنوست (الشفافيّة)والبيروسترويكا (إعادة البناء) للإصلاح الاقتصادي لم تكن سوى عطاء جميل يلفّ جهازا للتفجير الذّاتي للشيوعيّة وأجهزتها وكيانها الدّاخلي، وقد تمتْ صياغة هذه الأفكار لتكون معول هدم للشيوعيّة في روسيا وتوابعها في شرق ووسط أوروبا. وفكرة اللاّمركزيّة في اتخاذ القرارات الجوهريّة والإستراتيجيّة والإداريّة العامة التي تبثّها أمريكا داخل روسيا وخارجها فكرة تشرذم القوى السياسيّة وتحطّمها. وفكرة التأثير في اتخاذ القرارات على صاحب الصلاحيّة في اتخاذ القرارات التي يراها جماعة الضغط، فكرة خبيثة وخَطِرة، وتنمّ عن عدم الإخلاص للفكرة ولمن يقوم عليها، وهي فكرة هدم وتخريب للقوى السياسيّة.
وعليهِ فالأفكارِ لها قيمتها وتأثيرها وجوداً وعدماً، سلباً وإيجاباً، فقد ترفع القوى السياسيّة وقد تدمّرها، وكذلك الحال بالنسبة للمواقف العمليّة فلها أيضا قيمتها وتأثيرها، وتؤدّى إلى نفس النتائج من الرفعة والتدمير، فمثلا: أمريكا قد نادت بفكرة تحرير أوروبا الشرقيّة من الشيوعيّة في الخمسينات وفي السبعينات والثمانينات، وهي فكرةٌ مواجهةٍ وتحدٍ للشيوعيّة في عقر دارها وليست فكرة احتواء ودفاع، وأخذت أمريكا تسير بسياسة المواجهة بخطوات ثابتة هادفة، وبشكل متتابع ومستمرّ، وأخذت تدعم دول وشعوب شرق أوروبا سرّاً وعلناً، ولكن روسيا في السبعينات والثمانينات لم تتّخذ المواقف العمليّة التيّ اتخذتها في الخمسينات، فهذه الفكرة خطيرة وخطرة عليها، فكان الموقف في الخمسينات موقف مواجهة وتحدٍ لهذه الفكرة، وهجوم لاذع عليها وعلى من ينادي بها، ولذلك قامت بسحق الفكرة في مهدها، ومحقت الثورات التي تحركت ضدّها في أوروبا الشرقيّة بلا رحمة وبلا شفقة، وشددّت قبضتها عليها واستعدّت لحرب أمريكا ولم تهادنها، ما جعل أمريكا تخفق إخفاقاً ذريعاً في محاولتها ضرب الشيوعية في بيتها، وبالتالي اقتصرت على الدور الأوّل، وأحجمت عن السير في الدور الثاني بصورة متزامنة مع الدور الأوّل. أمّا في السبعينات والثمانينات فقد كان الموقف موقف احتواء وميوعة تجاه هذه الفكرة وغيرها من الأفكار الهدّامة التي هدّمت الإتحاد السوفياتي من داخله، وسهّلت مهمّة أمريكا في تهيئة المناخ والظرف للإنتقال إلى دورها الثالث. وعليه فالأفكار والمواقف العمليّة التي تجسّد هذه الأفكار وتحقق غاياتها لها قيمتها وتأثيرها، ولابدّ من تقدير لقيمة هذه الأفكار ومغزى وأبعاد هذه الأفكار في المستقبل وما تتطلّبه من مواقف عمليّة.
ولفهم حقيقة الدور الثالث وسياساته، لابدّ من إدراكٍ لطبيعة الأخطار المحدّقة بالنهم الأمريكي الذّي لا يعرف الشبع، ويلتهم كل شيء أمامه.
والأخطار المتوقعة والمحدّقة بمصالح الولايات المتحدّة أمام إنجازها لدورها الثالث تتمثل بما يلي:
أوّلاً: خطر قيام الروس بتسريب بعض سلاحهم النوويّ الإستراتيجي إلى دولة لديها الاستعداد لخوض غمار المعارك الحربيّة مع أمريكا، حفاظاً على سيادتها واستقلالها، وخصوصاً أن الرّوس قد لمسوا أن السلاح النوويّ لا قيمة ولا تأثير له إذا لم تكن هناك إرادة في استخدامه فعليّاً، أو ردع الخصم به ردعاً قابلاً للتنفيذ، وهذا الأمر الذّي لم يتجسّد بهم في الماضي بسبب خوفهم، الزائد عن الحدّ من الحرب، فهم يأملون في النجاة بأنفسهم ودفع غيرهم للقيام بذلك عن طريق تسريب هذا السّلاح إليهم.
ثانياً: خطر قيام بعض العسكريين المخلصين في روسيا بالسيطرة على الحكم فيها – كما حصل قبل الثورة البلشفيّة – لمعالجة الأوضاع في البلاد ولو بالحرب النوويّة، وعن طريق توجيه الضربة النوويّة الأولى إلى أمريكا، لقصم ظهرها انتقاماً منها على ما فعلته وتفعله ضد شعبهم وكيانهم.
ثالثاً: خطر زجّ أمريكا بحرب كونيّة ونوويّة مع الروس، عن طريق بريطانيا، لتتمكّن عن طريق هذه الحرب من معالجة أمر القوّة الأمريكية والروسية، وبالتالي تتمكن من تحطيم الحواجز التي تعترض دخولها للبيت الدولي، بشكل أكثر فاعلية، بعد أن أخرجتها منه أمريكا بالتعاون مع روسيا عام 1961م، وهذا الخطر من أكثر الأخطار احتمالاً وتوقّعاً للحدوث، وهو يستند إلى حقيقة تاريخيّة ثابتة من حقائق السياسة البريطانيّة، وهي أن بريطانيا مصدر خطر الحروب الكونيّة، فهي التي أشعلت الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي التّي حاولت إشعال الحرب العالميّة الثالثة إبّان الحرب الباردة القديمة في الخمسينات، وقد أحجمت عن إشعالها إبان الوفاق إحجاماً مؤقتاً لانعدام الظرف الدوليّ المناسب، وكذلك إبّان الحرب الباردة الجديدة، وخصوصاً أن أمريكا كانت مدركة لنوايا وفخاخ الإنجليز، وانتفعت وتأثّرت بما حدث لها إبّان الحرب الباردة القديمة، لذلك عمدت إلى رسم السياسة الوقائية للحيلولة دون حصول الحرب العالمية الثالثة بتدبير بريطاني، فقامت بالربط بين مصير أمريكا ومصير أوروبا ربطاً محكماً لردع الإنجليز عن التفكير في زجّ الولايات المتحدّة بحرب كونيّة مع الروس عن طريق استغلال ظرف الحرب الباردة الجديدة. ولما تفكّك الإتحاد السوفياتي وأضحت روسيا موضع الاستغلال الأمريكي، فقد أضحت الظروف الدولية مناسبة لبريطانيا لتحقيق حلمها، ولهذا شجّعت وحدها، بخبث ومكر ودهاء، من دون سائر الدول الأوروبية، أمريكا للعمل على إبقاء الحلف الأطلسي وتوسيعه، وبما أنّ أمريكا قامت بذلك فتكون بريطانيا قد نجحت في زجّها بارتكاب الخطأ الإستراتيجي، وبقي عليها استغلال هذا الخطأ عن طريق إغراء بعض العسكريين للوصول إلى السلطة في روسيا. وقد ثبت نفاذها واختراقها للجيش الرّوسي من أجل معالجة الواقع المخيف للعسكريين (أي الحلف الأطلسي)، والواقع الرّوسي بعد انهيار الإتحاد السوفياتي بفعل أمريكا وكذلك الواقع المتوقّع والمؤلم لروسيا. فهذه الوقائع والحقائق كافية للتأثير على العسكريين ليهبوا لتصحيح الأوضاع ورفض الخنوع والخضوع والاستسلام للإرادة الأمريكيّة وهيمنتها عليهم. وهذا الفخ الدولي الذّي نصبته بريطانيا لأمريكا وروسيا يسهل عليها تنفيذه والنّجاح فيه إذا ما سبقت أمريكا في تحقيق غاياتها. وبريطانيا لديها من المسوّغات والإمكانات والأفكار ما يكفيها لتحقيق النجاح وخصوصاً أنّ الرّوس يلتمسون ما تصنعه أمريكا ضدّهم وما فعلته بماضيهم العريق دولياً، وأنها كانت السبب المباشر في ضرب قوّتهم العالميّة ومحو تأثيرها من الوجود السياسي، وفي تفتيت اتحادهم، وأنّها تريد القضاء على قوّتهم النوويّة والسيطرة على كيانهم واستعبادهم، عن طريق ممارسة شتّى أنواع الضغوط عليهم لخنقهم من كافة الجهات. فما فعلته وتفعله أمريكا بالروس يعتبر مادة خصبة لقيام بريطانيا بدفع بعض عملائها العسكريين الروس لتسلم الحكم في روسيا وكسب ولاء معظم العسكريين المخلصين من الروس لينساقوا وراء هذا الفخ الدوليّ القاضي بإعلان الحرب على أمريكا، ويكفيهم الإحساس المادي بالحلف الأطلسي الذّي يستهدفهم، ناهيك عمّا يشاهدونه من سرعة في الانحدار الروسي، وعظم في المصائب التي تنزل عليهم تترى عليهم بسبب أمريكا. فالمخلص والعميل في روسيا وفي جيشها ينادي بالعمل على وقف الانحدار القاتل لروسيا، وعليه فالتربة في المسرح الروسي خصبة للعمل باتجاهات متعدّدة، ولكنّها في المحصّلة مؤلمة لروسيا، فالإنجليز يريدون العمل باتجاه معالجة القوّة الأمريكيّة والروسية عن طريق الحرب الكونيّة من أجل تحطيم الحواجز التيّ تعترض فتح الباب الدّولي على مصراعيه فتدخل البيت الدولي وتؤثر فيه بسهولة ويسر. وأمريكا تعمل باتجاه إيجاد زعامة عسكريّة عميلة لها بالخفاء تحكم روسيا بالفعل، وتبقى الزعامة السياسية واجهة تأتمر بأمر العسكر العملاء لأمريكا لتعالج أمر القوّة النوويّة الروسيّة وتسيطر على روسيا وتتحكّم بها.
رابعاً: خطر قيام الروس بإحكام قبضتهم على كيانهم الداخليّ ومعالجة مشاكلهم ومنع التدخّلات الأجنبيّة في شؤونهم ثم القيام بالتوسّع في المستقبل لتعود روسيا دولة كبرى، وهذا الخطر هو من أقلّ الأخطار احتمالاً من حيث الوقوع على مصالح أمريكا.
هذه هي الأخطار المتوقّعة على المصالح والأهداف الأمريكية، أما بالنسبة للسياسات التي رسمتها وتنفّضها أمريكا لاحتواء هذه الأخطار والسيطرة عليها وعلى روسيا من الداخل لجعلها قابلة للتفتيت والتشرذم وللتحكّم بها وبقوّتها النوويّة الإستراتجيّة للتخلّص منها قبل فوات الأوان، فهي تتمثّل بما يلي:
أوّلاً: الإبقاء على الحلف الأطلسي وتطويره لخنق روسيا، وممارسة الضغوط عليها للتخلي عن سيطرتها على الدّول المجاورة لها والتّي كانت تابعة لها، كدول البلطيق الثلاث مثلاً، لتحل أمريكا محلّها، ولتفرض على روسيا السياسات التّي تريدها في معالجة أمر قوّتها النوويّة بمعالجات تتمّ بمراحل أمر قوّتها النوويّة بمعالجات تتمّ بمراحل إلى حين تمكّنها من السيطرة على روسيا لكي تتخلّص منها عمليّاً، ومن هذه السياسات منع روسيا من تسريب أسلحتها النوويّة إلى دول أخرى، وضبط وتنظيم تسلّحها، والتخلّص من بعض أسلحتها وفق ما تراه أمريكا، والإشراف على المصانع الروسيّة والوقوف على أبوابها والتحكّم بنوع أسلحتها وصفتها وكيفيّة التصرّف بها.
ثانياً: غزو المجتمع الروسي اقتصاديا، بعد أن قامت وأسهمت بضرب اقتصاده وعملته، عن طريق ما يسمى بالمعونات الاقتصادية التي تؤدي إلى السيطرة السياسية والاقتصادية على روسيا ومنها المعونات التّي تقدّم لروسيا بواسطة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أدوات أمريكا لممارسة الضغوط على الدول ودفع اقتصادها نحو التبعيّة والانهيار، وعن طريق فكرة اقتصاد السوق الحرّة والسّماح للشركات الأمريكية بالعمل على الاستثمار داخل روسيا للتحكّم باقتصادها وبها وبمقدّراتها وثرواتها وشراء الذمم الرّخيصة والمريضة، وهي كثيرة في كافّة المؤسّسات والأوساط، والتأثير على من لم تتمّكن من احتوائه وشرائه ليخدم مصالحها بلا وعي وبلا شعور.
ثالثاً: غزو المجتمع الروسي ثقافياً وفكرياً عن طريق فكرة التعددية والديمقراطية والحرية والمساواة والمبادرة الفرديّة، والانفتاح والتخلّي عن المركزيّة، وتشجيع تحويل القطاعات العامة إلى قطاعات خاصّة تسيطر عليها، وفتح المؤسّسات العلميّة والتعليميّة والثقافيّة والسياسيّة وغيرها أمام أمريكا ورجالها الذّين يعملون لحساب مخابراتها ليقوموا بمهمّة بثّ سمومها في أبناء الشعب الروسيّ، كلّ ذلك وغيره يهدف إلى إحداث الميوعة والفوضى داخل المجتمع الروسيّ، وأحداث الصراعات في داخله ليسهل على أمريكا السيطرة عليه.
رابعاً: خلق المشاكل والأزمات لروسيا بشكل متتابع ومتنوّع بهدف أحداث الفراغ السياسيّ والعسكريّ والإستراتيجي داخلها، والسعي الحثيث لملء هذا الفراغ عن طريق عملائها وأدواتها لتبقى روسيا تعيش في دوامة من المشاكل والأزمات، وبالطبع فهي تريد الإتيان بزعيم عسكريّ قويّ عميل لها غير مكشوف ليعالج لها أمر القوّة النوويّة الإستراتيجية بالتسلسل. وقد بثت إثارتها للمشاكل والعمل على إذكاء روح التوتّرات داخل الجيش الروسي من أجل النفاذ إليه بقوة قبل أن تسبقها بريطانيا إليه وتحقق هدفها، فأمريكا تريد أن يحكم روسيا العسكر بالجوهر والساسة بالشكل كالباكستان والسودان.
خامساً: الإبقاء على بعض الأسلحة النوويّة الروسيّة غير الإستراتجيّة والتّي لا تشكّل خطراً على أمريكا من أجل حفظ التوازن في القوى على المستوى الإقليمي، ولتعزيز الخوف لدى جيران روسيا منها –كألمانيا واليابان والصين–، على أن تكون هذه الأسلحة وحتّى روسيا نفسها ضمن السيطرة الأمريكية.
سادساً: دوام الاستمرار بخوض المعارك الفكرية والسياسيّة داخل المجتمع الروسي مع كافة الأوساط والقوى السياسيّة والفكريّة والاقتصادية ونحوها على أسس رأسمالية ووطنية، وبخداع وتضليل سياسي وفكري ليبقى الشعب الروسي يدور في حلقة مفرغة، ويتلهى بأمور تافهة، ليصبح أمله غير القابل للتحقيق تجسيد الوحدة الوطنيّة بين أفراد شعبه بسبب الصراعات الداخليّة المراد توليدها في كيانه، وليبقى هذا الشعب سائراً نحو الهاوية والعبوديّة والاستسلام لأمريكا.
سابعاً: إذكاء روح الخوف لدى روسيا من ألمانيا واليابان والصين، وحتى من المسلمين في الجمهوريّات الإٍسلاميّة التّي كانت تابعة لها، لدفع روسيا باتّجاه عدو آخر لها ولا تفكّر بأمريكا، ولجرّها نحو مواجهة المسلمين والتصدّي لهم، من أجل أن تستغلّ ذلك في احتواء بعض ما يسمّى بالحركات الإسلاميّة غير الواعية وغير المخلصة، ودفعهم للارتماء في أحضان أمريكا وعملائها للعمل ضدّ روسيا، من أجل إضعافها، وفرض الهيمنة والسيطرة الأمريكية على الجمهوريات (الإسلامية)، وهي تستغلّ إيران والباكستان والسعوديّة وأفغانستان لتحقيق هذه الأهداف.
هذه هي أبرز وأهمّ السياسات الأمريكيّة لاحتواء روسيا والسيطرة عليها، فالمستقبل الروسي في خَطّر وهو مغطى بأجواء سياسية ملتهبة قابلة للاشتعال بسهولة وباتّجاهات متعدّدة.
والسؤال الذّي يرد الآن هو: ما السبيل لإنقاذ العالم من الحروب الكونيّة المدمّرة، ومن نار الرأسمالية المحرقة للقوى السياسية في العالم، والتّي صاغت العقليات والنفسيات الخبيثة والرخيصة، التي لا تعرف الرّحمة ولا الشفقة ولا مساعدة الضعفاء ونصرتهم، ولا الأخذ بأيدي القوى السياسية نحو السعادة والعزّة والرفعة، وإنّما تفهم منطق القوّة، وتدرك لغة مص الدماء، وتعرف مداهنة الأقوياء وأصحاب النفوذ، وتتقن إشعال الحرائق وتطمئن لسحق الضعفاء، وتبدع في استغلال الظروف والأوضاع الصعبة للقوى السياسية للي ذراعها وممارسة الضغوط عليها باتخاذ القرارات التّي تضعفها وتنزع الثقة والولاء بها ولها، وحتّى العمل على القضاء عليها. هذه هي العقليّات والنفسيّات الرأسماليّة العفنة والمنتنة ولا ينفعها الزعم والتذرّع بأيّ ذريعة.
والجواب عن السؤال هو أن إنقاذ العالم ومنه الأمّة الإسلاميّة لا يكون إلاّ بفكرة عالميّة صحيحة تعالج المشاكل الأساسيّة والفرعية للقوى السياسية معالجة صحيحة، تستند إلى العقل وتوافق الفطرة الإنسانيّة، فتملأ العقل قناعة والقلب طمأنينة فتعالج المعضلة الكبرى عند الإنسان: من أين جاء، وما الغاية من وجوده، وإلى أين مصيره، وما نوع هذا المصير وصفته وأثره. وتعالج مشاكل حياته كلها معالجة صحيحة، وتبيّن كيفيّة تنفيذ المعالجات في الواقع عمليّا.
والفكرة العالمية هذه، هي الفكرة الإسلاميّة بعقيدتها السياسيّة والروحيّة، وبوجهة نظرها الصحيحة عن الحياة. والأمّة الإسلاميّة هي التي تملك هذه الفكرة العالميّة الصحيحة، وهي تعتنق عقيدتها، فكرة كليّة عن الكون والإنسان والحياة، عقيدة سياسيّة، قاعدة فكريّة، قيادة فكريّة، وجهة نظر معيّنة في الحياة، يجب عليها وهي ترى العالم كلّه ومنه الشعب الروسي يتخبّط هذا التخبّط، ويرزح تحت نير الظلم السياسي والاقتصادي، ويخضع لعبودية قوة غاشمة، ويئنّ تحت كابوس الشقاء والاستعباد والإذلال، فإنّه فرض عليها حمل الدّعوة إلى جميع شعوب الأرض، وأن تأخذ عل عاتقها مهمّة إنقاذ العالم، وإخراجه من ظلمات الضلال والتضليل، إلى نور الهدى، وسعادة الحياة. فإنّها وإن كانت ترزح تحت نير القوّة الرأسماليّة الغاشمة، ولكنّها لا يجوز أن تفكر في نفسها فحسب، فإن الأنانيّة بعيدة عمّا تعتنقه من عقائد وغريبة على ما تحمله في ثنايا نفسها وفي صميم فؤادها من قيم وأفكار، لذلك يجب أن تفكر في إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها، وأن تضطلع بمهمّة تحرير العالم لا تحرير نفسها وحدها. فإنّها جزء من هذا العالم، وهي وجدت من أجل هدى البشر، وبعد أن اعتنقت عقيدة الإسلام، صار فرضاً عليها أن تنقذ الإنسانيّة من الشقاء، وأن تخلّص البشر من الظلم والتعاسة، ومن الإذلال والاستعباد بسبب الرأسماليّة المسيطرة على العالم.
والأمّة الإسلاميّة تعتنق فكرة سياسية عن الحياة، وتعتنق طريقة لتنفيذ هذه الفكرة في الحياة. وإذا ملكت أمّة الفكرة الصحيحة مع طريقتها، فإنّها ولاشكّ تكون أهلاً لإعطاء الخير ولحمل قيادة هذه الفكرة، ولذلك فإنّ الأمة الإسلاميّة ليست قادرة على النهضة فحسب، بل هي قادرة على ذلك، و على أن تكون مصدراً للخير لغيرها وعلى حمل هذه الفكرة للنّاس، الفكرة التّي تصهر الشعوب في بوتقتها لتصبح جزءاً من الأمّة الإسلاميّة العالميّة بلا تمييز بين فرد وآخر، ولا بين شعب وآخر، الفكرة التي ترحم الضعيف وتنصر المظلوم، وتردع الظالم، و تعاقب الغادر والمستغلّ، وتوفّر الحاجات الأساسيّة لكلّ فدر من الأفراد سواء اعتنق فكرتها أم حمل التبعيّة لكيانها وعاش في كنف دولتها، وهي الفكرة التّي تصون المجتمع والقوى السياسيّة من الأمراض والأدران والجرائم والمصائب، وتسعد الإنسان وتوفّر له الاطمئنان على النّفس والأهل والمال والعرض والكرامة والعزّة والرفعة، وعلى الحياة وما بعد هذه الحياة، وتصل بين الأقارب والأرحام، وتوصي بالجار، ولا تجعل الإنسان عبداً للإنسان، ولا موضعاً للاستغلال، وتفرض الانسجام والوحدة والمحبّة والأخوّة بين كلّ من يعتنقها بإخلاص ووعي بلا تفريق وبلا تمييز، وهذه الفكرة هي الأساس في كلّ شيء يتعلّق بحياة القوى السياسيّة، فهي المتحكّمة بالأفكار والمشاعر والأعمال والغايات والأنظمة، لترفع حياة هذه القوى من الانحطاط إلى مدارج الارتقاء على أساس روحيّ، أي على أساس أن هناك خالقاً خلق الكون والإنسان والحياة،وأنّ الإنسان وُجد في هذه الحياة من أجل أن يعبد الله، أي أن يتقيّد بشرع الله وأنظمته بهدف كسب رضوانه، وبهذا يكون الإنسان في هذه الحياة عبداً لله، لا عبداً لشياطين الإنس والجنّ. هذه صورة موجزة تبيّن عظمة الفكرة الإسلاميّة التّي بحاجة إليها البشريّة كافّة.
وهذه الفكرة العالميّة، لها من القيمة والتأثير على البشريّة الشيء الكثير، وتأثيرها غير ملموس لشعوب الأرض لعدم وجودها حيّة في الحياة السياسيّة بسبب غياب دولة الخلافة الإسلاميّة، و قيامها قريب بإذن الله، وستكون خلافة راشدة، إن شاء الله، ويقوم بتجسيد فكرتها العالميّة رجال تجسّد الإسلام فيهم، ولا تقوم على رجال اتّصفوا بالنّفاق والغدر والكذب والاستغلال للظروف، وتشرّبوا الكفر الرأسماليّ أو تأثّروا به، فهؤلاء الرّجال لن يكون لهم نصيب في إيجادها عمليّاً ولا الفوز بالأجر العظيم في الآخرة، لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه.
وبما أنّ إعلان الخلافة من حيث الزّمان والمكان أمر منوط بخالق الوجود سبحانه، فإنّنا نقول للشعب الرّوسي: مع أنّكم قد أسأتم للإسلام وأهله، وذبحتم المسلمين، وسيطرتم على بلادهم، وفعلتم ما فعلتم، مع كلّ هذا فإنّ الإسلام لا يقابل السيئة بالمثل إلاّ في حالة الحرب، والإسلام يجبّ ما قبله، وهو يريد هدى البشريّة وسعادتها عن طريق اعتناقها للإسلام عن قناعة ورضى وبلا إكراه. وبما أنّنا على يقين أنّكم بحاجّة ماسّة لهذا المبدأ العظيم أنتم وسائر شعوب الأرض، ونعم أيضاً أن حالكم الآن كحال من يستجير من رمضاء الشيوعيّة بناء الرأسماليّة، ولكنّنا الآن لا نملك القدرة على إنقاذكم بنور الإسلام، حتى يأذن لنا الله ونعلن الخلافة الراشدة، لتروا أنتم وغيركم حقيقة الإسلام وحقيقة رجاله بصورة حيّة، وبنموذج صادق. ومع ذلك لا مانع من تقديم بعض النصائح لكم إلى حين إعلان الخلافة وهذه النصائح:
أوّلاً: دراسة الإسلام السياسيّ والحقيقيّ.
ثانياً: اعتناق هذا الدّين لمن يعتقد بصحّته، والسّماح للمسلمين بشرح الإسلام وحمله لكم.
ثالثاً: ضرورة أن يتسلم الحكم في روسيا زعيم سياسي قويّ يسعى للمحافظة على استقلالها ووحدته، ويرفض سياسات أمريكا وأفكارها، ويكشف ويفضح أمرها، ويمنع التدخّلات الأجنبيّة الغربيّة في روسيا، ويرفض كلّ أشكال المساعدات الاقتصاديّة، ويغلق الباب الروسيّ أمام أمريكا وبريطانيا ويطردهما من بيته، ويتخلّص من الدولارات الأمريكية ويقيم عملة روسيّة تستند إلى الذهب والفضّة، ويعمل على تمييع ثم هدم هيئة الأمم الحالية، ويقاوم التدخّل الأمريكيّ في مسألة القوّة النوويّة الروسيّة مقاومة عنيفة، ويستغلّها لردع أمريكا وبريطانيا ردعاً حقيقيّاً ومؤثّراً، ويخرج الشركات والمستثمرين الغربيين من روسيا، ويضع الخطط الاقتصادية العمليّة وغيرها من أنواع الخطط التيّ تحفظ وحدة واستقلال وعيش الشعب الروسيّ على حين إعلان الخلافة من قبل الأمّة الإٍسلاميّة□
2018-06-25