سؤال وجواب: الإنضمام إلى الأحزاب القائمة على غير أساس الاسلام
1988/02/22م
المقالات
3,104 زيارة
في البلاد الإسلامية أحزاب وتنظيمات كثيرة تقوم غير أساس الإسلام, وتدعو إلى غير الإسلام. وكثير من المسلمين – مع الأسف – ينضمون إلى هذه الأحزاب إمّا اقتناعاً أو جهلاً, أو لمنفعة معينة كتأمين الحماية أو دفع ضرر. وقد بعث القارئ الموقع ع. ف. بيروت إلى المجلة سائلاً عن هذا الموضوع الهام, وهنا نص السؤال والجواب.
السؤال: هناك أشخاص ينضمّون إلى أحزاب أو تنظيمات لا تقوم على أساس الإسلام. وهم يفعلون ذلك ليس عن ولاءٍ حقيقي لهذه الأحزاب أو التنظيمات, ولكن من أجل الراتب وبعض المنافع, أو من أجل دفع الضرر وتأمين الحماية, فما هو الحكم الشرعي في مثل هذا الانضمام, علماً أن الولاء الحقيقي عند هؤلاء الأشخاص هو للإسلام وحده؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الجواب:
الأحزاب والتنظيمات والحركات منها ما يقوم على أساس الإسلام, ومنها ما يقوم على أساس علماني (أي فصل أمور الدين عن أمور الحياة), ومنها ما يقوم على أساس إلحادي (أي ينكر وجود الله).
لا مانع شرعاً من وجود أحزاب متعدّدة في وقت واحد إذا كانت تقوم على أساس الإسلام. في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وسلم لم يكن في الأمة الإسلامية إلاّ حزب واحد بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام, ولم يكن ممكنا ًشرعاً قيام حزب في المسلمين بجانب حزب الرسول أثناء حياته صلى الله عليه وسلم.
ولكن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم صار المجتهدون إذا اختلفوا بالرأي يصح شرعا ًلكل منهم أن يتبع اجتهاده, وأن يدعو الناس إلى رأيه, وهكذا صار من الممكن واقعياً وشرعاً وجود مذاهب ووجود تكتلات حسب هذه الاجتهادات, وهذا أمر مشروع ما دام ضمن الاجتهادات المعتبرة. وليس هذا من التطرق الذي نهى عنه الدين.
على أنه لا يجوز أن تخلو الأمة الإسلامية في وقت من الأوقات من وجود حزب واحد على الأقل, عملاً بقوله تعالى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(, فوجود مثل هذه الأمة (أي هذا الحزب) هو فرض من الفروض الكفائية.
ولا يجوز شرعاً أن يوجد في البلاد الإسلامية أي حزب أو أي تنظيم أو أية حركة تقوم على غير أساس الإسلام. الشرع الإسلامي سمح فقط لأتباع الأديان الأخرى أن يمارسوا شعائرهم الدينية, ولم يسمح لهم أن يقيموا أحزاباًُ أو حركات سياسية. ومن المؤكد أن الشرع الإسلامي لا يسمح بقيام أحزاب وحركات على أساس إلحادي. وكذلك لا يسمح بقيام أحزاب أو حركات على أساس قومي أو وطني, لأن المسلمين أمة واحدة, وأرض المسلمين بلاد واحدة.
ولكن هذه الأحزاب والحركات من إلحادية وعلمانية موجودة الآن وبكثرة, ولها هيمنة وسطوة في ظل أنظمة الكفر. فهل يحل للمسلم أن ينضم إليها؟
من بديهيات الشريعة الإسلامية أن ما حرمه الله عن طريق محمد عليه الصلاة والسلام سيبقى حراماً إلى يوم القيامة, لأنه لا نبي بعده. ولا يحل للمسلم أن يقرب الحرام إلا إذا وجدت رخصة نص عليها الشرع, مثل أكل الميتة في حال الاضطرار.
الأحزاب والحركات والتنظيمات التي تقوم على غير الإسلام هي منكر. وهل ينضم المسلم إلى المنكر؟ كلا. هل يكتفي المسلم بالابتعاد عن المنكر؟ هذا غير كاف. والواجب على المسلم أن ينهى عن المنكر ويغير المنكر بيده, فإن لم يستطيع فبلسانه, فإن لم يستطيع فبقلبه, وهذا أضعف الإيمان.
هذا هو الأصل, وهذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلم تجاه كل منكر وتجاه الأحزاب والحركات غير الإسلامية. ولننتقل من الأصل إلى بعض الفروع.
هذه الأحزاب والحركات تشبه الحكومات الحاضرة من كونها تقوم على أساس غير إسلامي, وفي الوقت الذي يجب فيه على المسلم أن يعمل جهده لهدم هذه الدول وإزالة هذه الحكومات, فإنه لا يجوز له أن يتعامل معها بعض المعاملات التي أحلها الشرع, فيجوز أن يكون موظفاً فيها, ويجوز أن يبيعها ويشتري منها, ويقبل مساعداتها. وكذلك هذه الأحزاب والحركات والتنظيمات أن يكون موظفاً لديها وان يعمل لها. بعض الأعمال بالأجرة, ما دامت هذه الوظيفة أو هذه الأعمال لا تتضمن ترويج الدعوة لها أو لأفكارها, كمن يستأجرونه لبناء دار أو إصلاح سيارة أو صيانة معدات.
أما الانضمام أو الانتماء إلى هذه الأحزاب أو التنظيمات من اجل الراتب, فهناك انتماء شكلي لا يترتب عليه أي عمل فيه ترويج لها أو لأفكارها, وهناك انتماء فيه مثل هذا الترويج. وكان قد صدر عندنا جواب سؤال عن الانتماء إلى النقابة, علماً أن النقابات هي مثل الحكومات لا يجوز الاشتراك فيها, لأنها تمارس جانباً من الحكم وهو الرعاية الإلزامية لمصالح أتباع مهنتها. ولما كانت لا تعطي رخصة لممارسة العمل إلا لمن يسجل انتماءه لها, فقد كان الجواب أنه يجوز الانتماء الشكلي لها من أجل الحصول على الرخصة لممارسة العمل وكسب المعاش.
فإذا كان المسلم يستطيع الحصول على الراتب مقابل الانتماء الشكلي فقط دون أن يكون مرتهناً للجهة التي انتمى إليها, ودون أن يروج لها ولأفكارها, لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر, فإن هذا جائز شرعاً.
ولا بد من ملاحظة أن مجرد الانتماء إلى جهة معينة هو نوع من الاعتراف بها ونوع من التأييد والدعوة لها, ولو كان انتماءً شكلياً. وهذا الانطباع لا يجوز للمسلم أن يوجده عند الناس, فلا بد أن يقوم بمحو هذا الأثر عن طريق الإعلان المعاكس عند كل من وصلهم خبر انتمائه, إن انتماءه هو شكلي فقط من اجل الراتب وانه لا يحمل أي ولاء حقيقي لهذا التنظيم, وأن ولاءه هو لله ورسوله والمؤمنين, وأنه يحارب كل التنظيمات التي تقوم على غير الإسلام ومنها التنظيم الذي انتمى إليه شكلاً. فإن لم يستطيع ذلك فلا يجوز له الانتماء من البداية.
وأما الانتماء إلى هذه الأحزاب أو التنظيمات التي تقوم على غير الإسلام ومنها التنظيم الذي انتمى إليه شكلاً. فإن لم يستطع ذلك فلا يجوز له الانتماء من البداية.
وأما الانتماء إلى هذه الأحزاب أو التنظيمات من اجل دفع الضرر أو توفير الحماية فإنه جائز بالشروط نفسها. وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوار (أي حماية) المطعم بن عدي وهو مشرك حين آذاه أهل الطائف ورجع منها إلى مكة. وكان بعض الصحابة قد دخلوا في جوار بعض المشركين. وهاجر قسم من المسلمين من مكة إلى الحبشة إلى جوار النجاشي (اللجوء السياسي).
ولكن رسول الله صلي الله عليه وسلم حين رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي لم يعلن انتماء لأفكار المطعم, ولم يعلن انه تخلى عن رسالته, وصحابته رضوان الله عليهم كانوا كذلك حين دخلوا في جوار الكفار. والآن فإن من يحتاج أن يدخل في جوار حزب ما, أو تنظيم ما, أو زعيم ما, من هذه التنظيمات, فإن استطاع أن يحصل على الحماية دون الانتماء, فهو الأصح, وأما إن كان الانتماء لا بد منه, فلا يجوز أن يتعدى الناحية الشكلية, ويجب أن يكون واضحاً عند كل من يعلم بهذا الانتماء أنه انتماء شكلي من أجل الحماية فقط.□
1988-02-22