الإسلام دين الله، ودين الله لا يهزم، والأمة الإسلامية لن تنتصر إلا به
2018/06/15م
المقالات, كلمات الأعداد
6,816 زيارة
كلمة الوعي
الإسلام دين الله، ودين الله لا يهزم، والأمة الإسلامية لن تنتصر إلا به
يرى الغرب، وعلى رأسه أميركا، أن الأمة الإسلامية قاطبة، من خلال ما قامت به من ثورات تريد التحرر من استعماره، وإلغاء مفاعيل سقوط دولة الخلافة منذ عام 1924م، والعودة إليها من جديد، وهذا أمر يلقى عند الغرب، ومعه دول العالم الفاعلة على المسرح السياسي الدولي رفضًا قاطعًا؛ لأنهم يعلمون حقيقة ماذا تعني الخلافة لهم. ومن أجل إجهاض مولود الخلافة الجديد تشكلت لدى الغرب عدة أهداف، منها:
1- كسر إرادة المسلمين عامة في التغيير الجذري بإقامة الخلافة وقلع فكرته من رؤوسهم؛ لذلك كانت هذه الهجمة الشرسة عليهم، وإهلاك حرثهم ونسلهم، وعدم إبقاء حجر على حجر في بلادهم… وهذه الهجمة تطال الشعوب الإسلامية وليس حكامها، فمشكلة الغرب هي مع المسلمين كأمة، فإنه لم يعد يأمن منها بعد أن قامت على حكامها، فالغرب لا يشكو من عمالات الحكام له بشيء… بل إن هؤلاء يقفون في صفه ضد شعوبهم.
2- تقسيم بلاد المسلمين من جديد إلى كانتونات طائفية متصارعة عبر فرض الترحيل القسري الممنهج للناس من مدنهم وقراهم ليتم تشكيلها من جديد على أسس طائفية ومذهبية وعرقية… وبحدود دموية. وهذا الصراع الخبيث بين مكونات الشعوب الإسلامية إنما هو من أجل أن يحوِّل الغرب الأمة الإسلامية من أمة واحدة إلى شعوب متصارعة؛ ما يؤدي إلى القضاء على فكرة الأمة الإسلامية الواحدة، والقضاء على فكرة إقامة الخلافة الراشدة فيها.
3- اللعب بورقة الإسلام السياسي، وجعل الناس يرفضون خياره، وما اللعب بورقة الخلافة المزعومة، وقيام أدعيائها بأبشع الجرائم باسمها إلا ورقة واضحة تصب في هذا الهدف… ومعلوم كيف كان منشأ تنظيم الدولة مشبوهًا منذ أول قيامه، وفي كل عمل من أعماله، وهو ما يزال يُستغل أبشع استغلال.
4- وجود مخطط أميركي لشرق أوسط جديد، وهو مخطط تسير الأحداث وتتفجر ساحات الصراع في المنطقة من أجل فرضه، وخطته تطال دول المنطقة بأسرها، وتسعى إلى إعادة صياغة دول المنطقة من جديد صياغة تمنع وحدتها، وتركز الصراع بين أطرافها. ولأن المسألة متعلقة بالشعوب وليس بالحكام؛ وإن كلًا من تركيا وإيران ليست في مأمن من عملية التغيير الأميركي للمنطقة، وإن الدور مقبل عليهما، بالرغم من أن حكامهما يخدمان أميركا حتى النخاع في جريمتها بحق الإسلام والمسلمين. وقد بدأت الأمور تظهر للعيان.
وإنه لو كانت نظرة الغرب لهذه الثورات أنها ثورات لتحسين الأوضاع المعيشية فقط أو ضد حكام بعينهم، لحل المشكلة من أول بدئها، ولما تعامل معها هذا التعامل الأثيم اللئيم… بل هو تعامل معها بمقدار ما تمثله عليه من خطر، تعامل معها على أنها تمسُّ استعماره للمنطقة بشكل أساسي، وتشكل خطرًا على مصالحه، وبصورة أبعد اعتبرها تشكل تهديدًا فعليًا لحضارته، اعتبرها ثورة أمة واحدة على كل حكامها، وعلى كل أنظمة الحكم فيها، وعلى من وراء هؤلاء الحكام وأنظمة الحكم، وهو الغرب.
ولما كانت للخلافة الإسلامية، التي هي مطلب عام للمسلمين، دورها السابق المشهود على المسرح الدولي، فقد كانت الدولة الأولى لقرون طويلة، وكان لها تاريخها المشرِّف على المسرح الدولي، وكانت جيوشها توصف بأنها لا تقهر؛ من هنا فإن سائر الدول الفاعلة على المسرح الدولي تجاوبت مع الدعوة الغربية لمحاربة عودة الإسلام إلى الحكم، وانضمت إليها، كروسيا والصين والهند، حتى بدا واضحًا للجميع أنها حرب عالمية على عودة الإسلام إلى مسرح الحياة من جديد تحت شعار محاربة الإرهاب.
والذي يجعل الغرب لا يتساهل كليًا مع ظاهرة إرادة الأمة الانعتاق من استعماره، هو أنه يدرك واقع الإسلام كدين مبدئي أنه يملك نظامًا عالميًا يصلح لحكم البشر كبشر بغض النظر عن معتقداتهم وأديانهم، وأعراقهم وأجناسهم وألوانهم، وبإمكانه أن يصهرهم في بوتقته، وهذا يعني عنده أن إقامة الخلافة سيصاحبه ظهور مبدأ الإسلام كنظام حياة وحضارة، وسيشكل منافسًا حضاريًا له. وإذا أضفنا أن الغرب خاصة، والعالم عامة، باتوا يدركون أن الحضارة الغربية أفلست وأشرفت على السقوط؛ فهذا يعني عنده أنه بإقامة الخلافة ستزول سيطرة الحضارة الغربية على دول العالم، وسينحسر نفوذه.
لقد أصبح العالم أمام معادلة ثابتة: إن الإسلام آن أوان ولادته من جديد، وأن المبدأ الرأسمالي الغربي دنا أجله، ويمكن القول إن للأمم آجال كما للأفراد، وحياة الأمم وموتها، هي كحياة الأفراد وموتهم، بيد الله وحده، قال تعالى: ]وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٞۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ٣٤[ وإذا كان هناك من مفكري الغرب من قال إنه لا يمكن لفكرة آن أوانها أن تمنع، وإنه لا يوجد جيش في العالم يستطيع أن يوقف عملية الظهور هذه، وهو يقصد بذلك الإسلام، فإننا نحن نكمل كلامه ونقول: كذلك، فإنه لا يمكن لفكرة دنا أجلها أن تستمر وتبقى، ونقصد به تحديدًا المبدأ الرأسمالي الغربي.
من هنا كان تعامل الغرب مع هذه الثورات بكل هذه الوحشية، وتحويل حياة الناس إلى جحيم على ما نرى في كل بلد قامت فيه ثورة، وقام بالدعاية على أنها ثورات خريف وليس ربيع. واستطاع أن يمنعها من تحقيق أهدافها حتى الآن، ولكنه لم يستطع أن ينتصر عليها. ولولا أن الأمة تحمل عقيدة مثل عقيدة الإسلام لكانت ألقت ما فيها وتخلَّت.
فماذا عند الغرب ليقدمه لشعوب المنطقة حتى يستطيع قيادتها من جديد؟ إنه لا يملك فعلًا إلا أن يأتي بحكام جدد هم أسوأ من سابقيهم. ولا يملك إلا أن يفرض عليهم أنظمة حكم علمانية، مسمِّيًا لها نفاقًا بأنها أنظمة حكم مدنية… وهكذا يبدو الغرب مفلسًا تجاه أهل المنطقة. وفي الحقيقة، فإن مرد هذا الإفلاس إنما هو إفلاس مبدئه وحضارته، وفي الحقيقة لا يملك الغرب إلا الاستمرار في سياساته الاستعمارية المعهودة واستعمال القوة المفرطة التي لم يعد يملك غيرها. فالمبدأ الرأسمالي له يد تبطش وليس له فؤاد، عنده مصالح فقط، وتتمحور حولها كل علاقاته وصداقاته وعداواته. وهذا المبدأ حتى الآن لم يولِّد اقتصاديًا إلا الأزمات، وسياسيًا وعسكريًا إلا الأحلاف الاستعمارية والحروب العالمية. التي لم توفر حتى دوله ولا شعوبه. فعلًا لو أدركت شعوب الغرب نفسها حقيقة المبدأ الرأسمالي المطبَّق عليها لكانت هي أول من قامت عليه، ولو أدركت حقيقة المبدأ الإسلامي لأقبلت أفواجًا إليه؛ لأن الخواء الروحي، والفراغ النفسي، والتفكك الأسري، وفقدان القيم، الذي يعيشون فيه جراء تطبيق المبدأ الغربي عليهم سيجعلهم يعتنقون الإسلام بقوة وبقناعة، وهذا سبب إضافي يجعل الغرب يتخوف من عودة الإسلام إلى مسرح الحياة، ويجن منه كل الجنون.
وهنا يمكن التساؤل: في ظل هذه الحرب الظالمة والمتوحشة والعالمية على الإسلام والمسلمين، أين وصلت عملية التغيير عند الأمة؟ هل تراجعت؟ هل قضي عليها؟ أم أنها تتقدم، والغرب هو الذي يفشل؟!.
يرى الغرب في حربه الاستباقية على الإسلام، أن هناك عاملين أساسيين يساهمان بقوة في عودة الخلافة، وقد عبَّر عنهما كرزون رئيس وزراء بريطانيا بعد هدم الخلافة عام 1924م، بعد أن وقف في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا، واحتج عليه بعض النواب الإنكليز باستقلال تركيا، التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجُم على الغرب. فأجاب كرزون: «لقد قضينا على تركيا، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم؛ لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة». فصفق لهذا الكلام النواب الإنكليز كلهم… أما اليوم فهم حاذرون متطيرون من هذه الحالة الإسلامية التي باتت مستعصية عليهم، وهو ما يطلقون عليه «إسلاموفوبيا».
وبالفعل، فقد مزقت أوروبا دولة المسلمين الواحدة إلى دول، وألغت نظام الخلافة من مركزه في تركيا… واليوم يرى الغرب أن خطته هذه قد انتهى مفعولها، والأمة تريد العودة إلى هذين الأمرين تحديدًا. وهذا ما لن يسمح به أبدًا، ويسعى من جديد لأن يمنعه عن طريق إعادة تقسيم المنطقة من جديد، ومحاربة فكرة العودة إلى نظام الخلافة من جديد. وهذه المرة تتولى أميركا كِبر هذه المهمة القذرة مستعملة أسوأ أساليبها في المكر والإجرام. فهل تنجح؟
هذه هي حقيقة الصراع الدائر اليوم في المنطقة، وإدراك هذه الحقيقة أمر ضروري للحكم عليه، ومعرفة كيفية مواجهته. وأميركا لم تستطع، ومعها دول العالم، أن تبعد الأمة عن مطلبها في الوحدة وإقامة الخلافة، وبعبارة أخرى عن مطلبها في إقامة الخلافة الجامعة؟ كلا بل إننا نرى العكس، نرى أن الأمة تصحو أكثر وأكثر على ضرورة وجود ذلك في حياتها، فهي توحِّدها المصائب التي تترا عليها وتصيبها في كل بلادها، وتجعلها تدرك أكثر وأكثر أنها مقصودة في دينها، وترى أن لا خلاص لها إلا به، وبإقامة الخلافة تحديدًا… وهذا عكس ما يحاول الغرب أن يصوره من أن المعركة هي مع الإرهاب، ويزيف الحقائق فيه، وأنه ينتصر… صحيح أن الأمة يصب عليها العذاب صبًا، وتبتلى أشد الابتلاء، بيد أن ما يقوم به الغرب من أجل تحقيق هدفه بصرف الناس عن هذين الأمرين لم ينجح به ولن ينجح بإذن الله؛ لأن هناك أمرًا آخر يقف وراء هذا الصمود الأسطوري للأمة، وهو تلك العقيدة السياسية الموجودة اليوم لدى المسلمين، والتي تريد أن تسيَّر الحياة بحسب أوامر الله ونواهيه، والتي كانت مفقودة عند هدم الخلافة؛ حيث كانت روحانية فقط.
إننا نقول، وبكل اطمئنان، إن الأمة تريد التغيير على أساس دينها، وهي جادة في ذلك، ودينها أغلى عندها من نفسها وولدها ومالها… وهي قدمت أغلى ما عندها في سبيل شيء أغلى، ألا وهو عبادة الله والعمل على إرضائه، والسعي للعيش في كنف دينه… ولا يمكن ثني الأمة عن إرادتها بالقوة، لا يمكن ثنيها إلا بأمر واحد، هو أن يكون هناك مبدأ أقوى من مبدئها، وهذا غير موجود، بل العكس هو الموجود. فالحضارة الإسلامية هي الحق، والحضارة الرأسمالية هي الفاسدة التي يلعنها أهلها مثل غيرهم، ويودون تغييرها؛ لأنها أشقتهم ولم تسعدهم.
إن الغلبة في مثل هذا الصراع لا تكون لقوة السلاح، وإنما لقوة الفكرة وصدقها وصلاحها، ولمدى إيمان المسلمين بها والوعي عليها، وما تأخر قيام الفكرة إلا بسبب أن الغرب يملك كثيرًا من الأدوات التي يستعملها واحدة بعد الأخرى حتى تفرغ جعبته منها، وأكثر هذه الأدوات إيلامًا للمسلمين هم حكامهم العملاء له، ويساعدهم الوسط السياسي المنتفع منهم، وبقايا من علمانيين لا يعتد بهم، وشراذم من إسلاميين (معتدلين) يفهمون الإسلام على طريقته، وكل هذه الأدوات هي أدوات رخيصة بيده، ولن يكون لهم أثر في صد أمواج التغيير العارمة، وإن بشرى رسول الله ﷺ لناظرها قريب، قال رسول الله ﷺ: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها… ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت» رواه البزار والطبراني ورجاله ثقات.
قال تعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ٢ قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ١٣).
2018-06-15