بسم الله الرحمن الرحيم
دولة الخلافة وما يسمى بالأقليات (6):
ياسين بن علي
كيف عاملت دولة الخلافة أهل الذمة؟
قلنا إن دولة الإسلام لا تفرق بين الرعايا على ٍأساس من العرق أو اللون أو اللغة أو الدين، فأما الأعراق والألوان واللغات المختلفة فلم تكن موضع شبهة، وأما الدين فإن كثيراً من الباحثين الغربيين ومن تبعهم من المثقفين المسلمين الذي أخذوا عنهم وتبنوا آراءهم دون تمحيص زعموا أن الدولة الإسلامية أساءت معاملة غير المسلمين ومارست التمييز ضدهم، ولكن حقائق التاريخ ومعطيات الحاضر تشهد بأن أهل الذمة عوملوا معاملة طيبة من قبل الدولة الإسلامية على مر عصورها ومن قبل المسلمين، وكانوا يعدون من نسيج المجتمع، ويجري التواصل بينهم وبين المسلمين في حياتهم الاجتماعية دون شعور بفوارق، وإذا ما حصل إساءة في التعامل مع أهل الذمة فإنها لم تكن الطابع العام في التاريخ الإسلامي، وقد تعرض المسلمون أنفسهم أحياناً للظلم والعنت من قبل حكامهم. ويصعب استعراض التاريخ الإسلامي في مثل هذا المقام لكننا نشير إلى بعض النقول التي تبين موقف المسلمين من أهل الذمة نظرياً وعملياً، فقد كان الشائع بين فقهاء المسلمين وعلمائهم وجوب معاملة أهل الذمة والعهد بالحسنى ومراعاة أحكام دينهم:
– قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة (في السير الكبير): «لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه أنه أجبر أحداً من أهل الذمة على الإسلام … وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم؛ لم يثبت له حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعاً؛ مثل أن يثبت على الإسلام بعد زوال الإكراه عنه، وإن مات قبل ذلك فحكمه حكم الكفار، وإن رجع إلى دين الكفر لم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام .. ولنا أنه أكره على ما لا يجوز إكراهه عليه، فلم يثبت حكمه في حقه، كالمسلم إذا أكره على الكفر. والدليل على تحريم الإكراه قول الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)».
– وقال أيضا: «قد بيَّنا أنّ المستأمنين فينا إذا لم يكونوا أهل منعة فحالهم كحال أهل الذمّة، فيجب على أمير المسلمين نصرتهم، ودفع الظلم عنهم؛ لأنّهم تحت ولايته…».
– وقال الماورديّ (في الأحكام السلطانية): «ويلتزم – أي الإمام – لهم ببذل حقَّين: أحدهما: الكفُّ عنهم. والثانِي: الحماية لهم، ليكونوا بالكفِّ آمنين، وبالحماية محروسين».
– وقال القرطبيّ (في تفسيره): «الذمي محقون الدم على التأبيد والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقق ذلك أنّ المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل على أنّ مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه، إذ المال إنّما يحرم بحرمة مالكه».
– وقال ابن القيم (في أحكام أهل الذمة): «المستأمن يحرم قتله، وتضمن نفسه، ويقطع بسرقة ماله».
فهذه النقول عن أئمة معتبرين في أزمنة مختلفة هي نماذج تعكس الروح السائدة عند المسلمين في تعاملهم مع أهل الذمة، غير أن الأمر لم يقف عند حد الطرح النظري بل كان التعامل الحقيقي على هذا النحو في الغالب:
– ففي زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولي ابن رواحة رضي الله عنه خرص ثمار خيبر، فحاول اليهود إعطاءه الرشوة فرفض، وقال: «وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم…» فقالوا: «بهذا قامت السموات والأرض» (رواه أحمد).
– وروى عبد الرزاق في المصنف عن إبراهيم النخعي أن رجلاً مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة من أهل الحيرة على عهد عمر، فأقاد منه عمر.
– وروى المتقي الهندي في كنز العمال أن عمر بن الخطاب كتب إلى واليه في مصر عمرو بن العاص: «واعلم يا عمرو أن الله يراك ويرى عملك، فإنه قال تبارك وتعالى في كتابه: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) يريد أن يقتدى به، وأن معك أهل ذمة وعهد، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، وأوصى بالقبط فقال: «استوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً»، ورحِمُهم أن أم إسماعيل عليه السلام منهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته؛ فأنا خصمه يوم القيامة» احذر يا عمرو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لك خصماً، فإنه من خاصمه خَصَمه».
– وروى أبو عبيد في الأموال عن عمر رضي الله عنه أنه أُتي بمال كثير من الجزية، فقال: «إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا، والله ما أخذنا إلا عفواً صفواً. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني».
– وروى أبو يوسف في الخراج عن أبِي بكرٍ قال: «مرّ عمر بن الخطّابِ رضي الله عنه بِبابِ قومٍ وعليه سائل يسأل، شيخ كبِير ضرِير البصرِ، فضرب عضده من خلفه وقال: من أيّ أهلِ الكتابِ أنت؟ فقال: يهوديّ. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أُسأل الجزية، والحاجة والسّنّ. قال: فأخذ عمر بِيده وذهب بِه إلى منزِله فرضخ له بِشيءٍ من المنزِلِ، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه».
– وذكر الطبري في التاريخ عقد عمرو بن العاص لأهل مصر وفيه: «هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم، وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوب. وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم… ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، ويخرج من سلطاننا. عليهم ما عليهم أثلاثاً في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم، على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين…».
– وذكر أبو يوسف في الخراج كتاب خالد بن الوليد لنصارى الحيرة وفيه: «وجعلتُ لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه؛ طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله…».
– وروى البخاري عن عمر رضي الله عنه عند دنو أجله قال: «أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيراً، أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرًا، الذين تبوؤوا الدار والإيمان، أن يقبل من محسنهم، ويعفى عن مسيئهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم».
– وروى البخاري في الأدب المفرد عن مجاهد قال: «كنتُ عند عبد الله بن عمرو ـ وغلامه يسلخ شاة ـ فقال: يا غلام! إذا فرغت فابدأ بجارِنا اليهوديّ، فقال رجل من القوم: آليهوديّ أصلحك الله؟! قال: إني سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُوصي بالجار، حتى خشينا أو رُئينا أنّه سيورّثه».
– وذكر أبو يوسف في الخراج وصية علي بن أبي طالب لعامله على الخراج وفيها: «إذا قدمت عليهم فلا تبيعنّ لهم كسوة، شتاءً ولا صيفاً، ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتُك».
– وذكر ابن كثير في البداية والنهاية: لما ولي أمير العدل عمر بن عبد العزيز أمر مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها، فقام إليه رجل ذمي يشكو الأمير العباس بن الوليد بن عبد الملك في ضيعة له أقطعها الوليد لحفيده العباس، فحكم له الخليفة بالضيعة، فردها عليه.
– وقال أبو يوسف مخاطباً هارون الرشيد: «وقد ينبغي يا أمير المؤمنين – أيدك الله – أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم، والتفقد لهم حتى لا يظلموا، ولا يؤذوا، ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ شيء من أموالهم إلا بحق يجب عليهم».
وقد بلغ من أمر عناية المسلمين بأهل الذمة أنّ جيوش التتار لما هجمت على بلاد المسلمين، وأسروا جمعاً من المسلمين والنصارى، طلب الشيخ ابن تيمية من التتار إطلاق الأسرى، فأطلقوا المسلمين دون أهل الذمة، وقالوا: «معنا نصارى أخذناهم من القدس فهؤلاء لا يطلقون». فقال ابن تيمية لأمير التتار – كما في الرسالة القبرصية -: «بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، فإنا نفتكهم ولا ندع أسيراً لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة»، فأمر بإطلاقهم.
ولما كانت دولة الخلافة دولة بشرية تقع فيها أخطاء وتجاوزات، فإن العلماء كانوا يتصدون للخليفة إذا حدث ظلم لأي أحد من أهل الذمة، فمن ذلك:
– روى أحمد في المسند عن ابن حزام أنّه مرّ بأناس من أهل الذمة قد أقيموا في الشمس بالشام، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: بقي عليهم شيء من الخراج، فقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجلّ يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس». قال: وأمير الناس يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، قال: فدخل عليه، فحدثه، فخلى سبيلهم.
– ولما خاف الخليفة الوليد من نصارى قبرص أجلاهم منها، يقول إسماعيل بن عياش -كما في فتوح البلدان للبلاذري-: «فاستفظع ذلك المسلمون، واستعظمه الفقهاء، فلما ولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك ردهم إلى قبرص، فاستحسن المسلمون ذلك من فعله، ورأوه عدلاً».
– كما حطَّ عمر بن عبد العزيز عن أهل قبرص ألف دينار زادها عبد الملك عما في عهد معاوية رضى الله عنه لهم، ثم ردها عليهم هشام بن عبد الملك، فلما كانت خلافة أبي جعفر المنصور أسقطها عنهم، وقال -كما في فتوح البلدان للبلاذري-: «نحن أحق من أنصفهم، ولم نتكثر بظلمهم».
– وذكر أبو عبيد في الأموال عن الأوزاعي فقيه الشام حين أجلى الأمير صالح بن عليّ أهل ذمة من جبل لبنان، كتب إليه الأوزاعي: «فكيف تؤخذ عامة بعمل خاصة، فيُخرَجون من ديارهم وأموالهم؟ وقد بلغنا أن من حكم الله عز وجل أنه لا يأخذ العامة بعمل الخاصة، ولكن يأخذ الخاصة بعمل العامة، ثم يبعثهم على أعمالهم، فأحق ما اقتدي به ووُقف عليه حكم الله تبارك وتعالى، وأحقّ الوصايا بأن تحفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: «من ظلم معاهداً أو كلَّفه فوق طاقته فأنا حجيجه». من كانت له حرمة في دمه فله في ماله والعدل عليه مثلها. فإنهم ليسوا بعبيد، فتكونوا من تحويلهم من بلد إلى بلد في سعة، ولكنهم أحرار أهل ذمة…».
وأما ما وقع من ظلامات ضد أهل الكتاب ولم ينصفوا فيها، فإن الله عز وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام بريئون من ذلك، ولكنها لم تكن إلا حالات نادرة في التاريخ الإسلامي الممتد عبر ثلاثة عشر قرناً من الزمن. ولقد شهد كثير من المنصفين من غير المسلمين في الماضي والحاضر بعدل الإسلام وسماحة المسلمين ودولتهم مع غير المسلمين من الرعايا:
– فقد ذكر البلاذري في فتوح البلدان: «أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع، وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج وقالوا: شُغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم. فقال أهل حمص: لَولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم…».
– وذكرت زيغريد هونكه (في شمس العرب تسطع على الغرب) أن: «بطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف».
– وقال الدكتور أ.س. ترتون (في أهل الذمة في الإسلام): «وإذا تقرر في الأذهان أن الإسلام صريح في النص على وجوب معاملة الذميين بالحسنى، أمكن اعتبار أي معاملة غير هذه المعاملة حدثاً شاذاً ليس من الأصول الثابتة في شيء؛ لأن هذا الانحراف لا يأتي من روح الدين بل من دوافع أخرى سواه».
– وقال مونتجومري وات (في محمد في المدينة) : «كان السبب الأول في نجاح محمّد جاذبية الإسلام، وقيمته كنظام ديني واجتماعي لسد حاجات العرب الدينية والاجتماعية. الكل يشعرون، ما عدا أقلية لا أهمية لها ، أنهم يعاملون معاملة حسنة، زادت الفرق بين شعور الانسجام والرضا في الأمة الإسلامية وشعور القلق في مكة، ولاشك أن ذلك أثّر في كثير من الناس وجذبهم إلى محمّد».
– وقال جوستاف لوبون (في حضارة العرب): «إنّ القوة لم تكن عاملاً في انتشار الإسلام… والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب (أي المسلمين)».
– وقال برنارد لويس (في ندوة نُظّمت في فندق كونرار تحت رعاية وزارة الخارجية والمجلس الأوروبي وجمعية الخمسماية سنة تحت عنوان العنصرية واللاسامية): «..فهذه المشكلة لم تنشأ في البلاد الإسلامية لأن الناس المنتسبين لأديان مختلفة في البلاد الإسلامية وجدوا إمكانية العيش هناك بصداقة وأخوّة وبدون صراع ونزاع. إنّ التسامح موجود في أصل الإسلام، وهو ليس فكراً قد طرأ عليه فيما بعد…».
– وقال ول ديورانت في (قصة الحضارة): «لقد كان أهل الذمة، المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم».
– وقال المؤرخ الإنجليزي السير توماس أرنولد (في الدعوة إلى الإسلام): «لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح».
– وقال أيضاً: «لم نسمع أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرديناند وإيزابيلا دين الإسلام من إسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستانتي مذهباً يُعاقَب عليه متبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن إنجلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة».
ولو ذهبنا نستقصي شهادات المؤرخين عن عدل المسلمين وإنصافهم لاجتمع منها شيء كثير، ولكن نكتفي بهذا القدر.
وتبرز معاملة المسلمين الحسنة لغير المسلمين إذا ما قورنت بما فعله غير المسلمين بالمسلمين عندما صارت لهم الغلبة، فما جرى في الحروب الصليبية من قتل للمسلمين وتشريد وسوء معاملة يفوق الوصف، وما جرى من التتار في حربهم ضد المسلمين أيضاً لا يقل سوءاً عن ذلك، ولعل محاكم التفتيش في الأندلس وإجبار المسلمين واليهود على التنصر خير شاهد على ما نقول، ولم يكن الوضع أحسن حالاً مع الحملات الصليبية الجديدة في القرون الأخيرة. ويكفي استحضار ما قامت به الدول الاستعمارية الغربية في البلاد العربية والإسلامية، في الجزائر وليبيا ومصر، وما فعلته روسيا والصين بالمسلمين، وما فعله الصرب في البوسنة، وما فعلته الولايات المتحدة الأميركية في العراق وأفغانستان، وما تفعله دولة الكيان الصهيوني ضد أهل فلسطين والمناطق المجاورة.q