كيد أميركا وأحلافها وأتباعها بثورة الشام مستمر… فمن يُخلصها من كيدهم ويأخذ بيدها نحو النصر والتمكين؟
2018/03/20م
المقالات, كلمات الأعداد
29,852 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
كيد أميركا وأحلافها وأتباعها بثورة الشام مستمر…
فمن يُخلصها من كيدهم ويأخذ بيدها نحو النصر والتمكين؟
أبو حنيفة – بيت المقدس
سبع سنوات عجاف خَلَوْنَ على ثورة الشام، تكالبت فيها قوى الكفر، أميركا وروسيا وأوروبا، ومَن سار في ركابها من دول الجوار العميلة على هذه الثورة اليتيمة التي لم تجد من يتعهدها إلا ثُلةٌ صدحت بالتكبير، معلنةً ثورةً تسربلت بشعارات إسلامية فاجأت الغرب، وأفقدته صوابه، بل واضطرته إلى كشف أوراق لم يكن ليكشفها من قبل. ومع كثرة القوى اللاعبة في سوريا الدولية والإقليمية والمحلية، إلا أن ثمة خطوطًا عريضة تتفق عليها هذه القوى، أولها محاربة الإسلام السياسي ( الخلافة) بالرغم مما بينها من مصالح متناقضة تصل إلى حد العداء، وهي تسعى بكل لؤم للوصول إلى حل سياسي يبعد الإسلام عن الحكم.
فأميركا رأس الكفر تدرك جيدًا أن سقوط نظام بشار بن أبيه هو سقوطٌ لفكرتها العلمانية في المنطقة قاطبة، وقيامٌ لنظام سياسي منبثق من عقيدة المسلمين، نظام الخلافة الإسلامية مكانه؛ من أجل ذلك تسعى حثيثًا لمنع سقوطه كنظام سياسي، وإن كان لا يهمها سقوط شخص بشار إذا ما توفر القائم مقامه بالكفر والطاغوت في أرض الشام. وروسيا تشترك مع أميركا في استراتيجية وجوب تثبيت حكم الطاغوت في الشام، ومنع قيام الخلافة فيها. بل يكاد يكون تخوف روسيا من عودة الخلافة أشد من تخوف أميركا نفسها. أما أوروبا، فهي وإن كان تأثيرها المباشر على الثورة ومجرياتها يكاد يكون معدومًا، إلا أن خطورة ظهور قوة سياسية للمسلمين أمرٌ لا تجهله أوروبا المجاورة للعالم الإسلامي، وقد كانت عاينت قوة المسلمين وبأسهم من قبل. ثم هناك منظمة العهر السياسي، الأمم المتحدة، مِظَلَّةُ الظلم والطاغوت، مَطِيَّةُ أميركا ومؤسستها الاستعمارية، من تحت قُبتها تستصدر أميركا قرارات الجور تنفيذًا لمصالحها وحدها، وليذهب العالم كله بعد ذلك إلى الجحيم… تبقى هناك دولٌ إقليمية منها ما يدور في فلك أميركا لا تخرج عن طوعها كتركيا وإيران، وأخرى عميلة تابعة ناعقة وراء أميركا تأتمر بأمرها وتنتهي بنهيها ﴿كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ ١٧١﴾ [البقرة: 171] كنظام بشار والعراق والسعودية. وهناك فصائل أو قُل إن شئت: (فسائل) نبتت على أصل هذه الدول العميلة فصارت جزءًا منها، تسير معها حيث سارت، نحو تصفية ثورة الشام، وفرض الحل السياسي العلماني في سوريا.
– ولعل من أخطر هذه الأطراف وأكثرها تأثيرًا على ثورة الشام، تركيا بقيادة المراوغ الخائن أردوغان، ذاك الذي أسلَم مدينة حلب على طبق من ذهب لنظام بشار بعد أن لبثت هذه المدينة العظيمة لسنوات عصيةً عليه وعلى كل من أصطفَّ إلى جانبه، روسيا وإيران وحزبها وشَبِّيحتهم وذَبِّيحتهم، عندما فتح أردوغان جبهة جرابلوس ودرع الفرات تزامنًا مع هجوم النظام وأحزابه على حلب، أي في الوقت الذي كانت فيه حلب وأهلها أحوج ما يكونون إلى من يستجيب لاستغاثاتهم، فكان ما كان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهل تكون عملية (غصن الزيتون) تكرارًا لعملية تسليم حلب، ولكن هذه المرة ستكون (إدلب) هي الوجهة؟.
– نستطيع أن نقول: إن سقوط حلب كان له ما بعده؛ حيث انبرت كل القوى المتآمرة على ثورة الشام بقيادة أميركا، ترسم الخطط العملية لتصفية الثورة وتسديد الضربة القاضية إليها، هذا إن استطاعوا، فقد أجمعت هذه القوى أمرها على صياغة موقف عسكري جديد يعيد توازن القوى ميدانيًا، ورسم الخارطة اللوجستية للقوى اللاعبة في سوريا وفق محاور عدة:
أولًا: ضرورة إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا إلى حد اللاوجود أو قريبًا من ذلك، وسحب المناطق الخاضعة لسيطرته منه. فقد كشفت مصادر استخباراتية (إسرائيلية) عن اتفاق جديد بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في سوريا، وقالت المصادر، بحسب موقع ديبكا (الإسرائيلي): إن روسيا والولايات المتحدة توصّلتا إلى اتفاق يسمح لقوات الأسد وحلفائه والقوات الموالية لواشنطن، بشنِّ هجوم ثنائي على آخر معاقل تنظيم الدولة في مدينة البوكمال والميادين، في وادي الفرات شرقي سوريا. وأضافت أن “القوات الروسية والأميركية وافقتا على توفير غطاء جوي لدعم الهجومين ضد حوالى 10 آلاف مقاتل من تنظيم الدولة، معظمهم كانوا قد فرَّوا من مدينة الرقة السورية والموصل العراقية، وأفادت المصادر أن قوات الأسد ستقود الهجوم الأول إلى جانب حزب الله وميليشيات أخرى موالية لإيران، فيما ستشنُّ الهجوم الثاني ميليشيات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة إلى جانب قوات كردية وسورية أخرى. [ الدرر الشامية 10 / 9 / 2017م ].
ثانيًا: العبور من بوابة الهدن القاتلة بين الفصائل والنظام مرة أخرى، وهذه المرة لفرض مناطق اصطُلح على تسميتها بـ (مناطق خفض التصعيد). جاء ذلك في البيان الختامي الذي تلاه وزير الخارجية الكازاخي- خيرت عبد الرحمنوف، في الجلسة الرسمية الختامية لمحادثات (أستانة 6) وفيه أفاد بأن الدول الضامنة تعرب عن ارتياحها للتقدم المحرز في تنفيذ المذكرة المتعلقة بإنشاء مناطق لتخفيف حدة التصعيد في سوريا بتاريخ 4 أيار/ الماضي، وأضاف البيان أنه تم الإعلان عن إنشاء مناطق خفض التصعيد وفقًا للمذكرة في الغوطة الشرقية، وفي أجزاء معينة من شمال محافظة حمص، ومحافظة إدلب، وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، وحماة، وحلب)، وكذلك في أجزاء معينة من جنوب سوريا. [ الدرر الشامية 15 / 9 / 2017م ].
ثالثًا: محاولة حصر وحصار الثوار المخلصين الخارجين عن بيت الطاعة الأميركي، والرافضين لحلها السياسي، وعزلهم في منطقة (إدلب وريفها) من أجل القضاء عليهم وإنهاء وجودهم حتى لا يبقى في سوريا من الفصائل إلا المطأطئ رأسه أمام عجرفة أميركا وجبروت روسيا وبطش النظام وإيران، وروغان أردوغان. وتأبى النفوس الضعيفة التي تلطخت بالمال السياسي إلا أن تسقط أمام أول هيعة، لا باستسلامٍ يعقبه قعود مع القاعدين وحسب، ولكن بمشاركة فعلية في المكر والكيد للثورة التي قدمت من الشهداء والجرحى والمشردين الكثير الكثير.
فقد كان علوش – رئيس الهيئة السياسية في جيش الإسلام وكبير وفد المفاوضين- قد طالب هيئة تحرير الشام بحل نفسها ووضع إدلب تحت إدارة مدنية، وذلك قبل انطلاق محادثات (أستانا 6) حول سوريا، وقال علوش لوكالة (الأناضول): إن القصف توقف بشكل كبير في مختلف المناطق، وهناك مشاركة كبيرة من المعارضة في المؤتمر (أستانة)، وسيكون هناك نقاش كبير حول إدلب، وهو موضوع حساس ومهم.[الدرر الشامية 13/9/2017م].
كما كان المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لمدينة (جيرود) بالقلمون الشرقي، قد كشف عن عقد اجتماع موسع لممثلي الفصائل العسكرية والفعاليات للتجهيز لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع روسيا، وأوضح مسؤول المكتب الملقب بـ (أبو عبد الله) أن الاجتماع يهدف لتنسيق الجهود ووضع خطة موحدة لاستقبال الوسيط الروسي، والتباحث بخصوص تنفيذ اتفاق جنيف مع الروس. [الدرر الشامية 13/9/2017م].
كما كان القائد العام، لحركة أحرار الشام حسن صوفان، قد كشف عن مفاوضات سرية أجرتها حركته لحماية المناطق المحررة؛ وذلك في ظل الحديث عن عملية عسكرية وشيكة بمساعدة الفصائل على هيئة تحرير الشام بإدلب، وقال صوفان في سلسلة تغريدات له عبر تويتر: إن الأحوال الطارئة تتطلب مواقف استثنائية، وفي شرعنا الحنيف فسحة لذلك يعرفها الراسخون من أهل العلم، العارفون بمقاصد الشريعة وكلياتها وغاياتها – حسب زعمه وتأويله – وأضاف: إنه لطالما كانت أحرار الشام سبَّاقة في ميادين القتال، وفي زمن التآمر والتكالب على الثورة تخوض الحركة غمار السياسة حماية للمحرر وتخفيفًا عن الناس. وتابع: “مع صمودنا في ساحات الجهاد وبذلنا آلاف الشهداء سنكافح على طاولة المفاوضات لتحصيل الحقوق ودفع المفاسد، وكلنا شركاء مع جميع الثوار في حمل الأمانة. [الدرر الشامية 13/9/2017م].
وفي ذات السياق كانت تركيا هي الأخرى قد كشفت على لسان وزير خارجيتها، مولود جاويش إوغلو، عن مساعٍ لعزل الفصائل المعارضة لاتفاق (خفض التوتر) في إدلب، والذي تم التوصل إليه بين الدول الضامنة في الجولة السادسة من اجتماع أستانا، وأوضح أوغلو أن المرحلة الأولى الجارية بالفعل هي فصل (المعارضين المعتدلين) عن (المنظمات الإرهابية) وفقًا لوكالة (رويترز). [الدرر الشامية 4/10/2017م].
وأمام هذا الاستخذاء الذي أبدته الفصائل التي وقَّعت على هدنة العار مع النظام برعاية تركية خسيسة، تنفَّس نظام بشار الصعداء بعد أن انحبس عنه الهواء أو كاد، وانساح في أرض الشام يسترد المنطقة تلو المنطقة منتهكًا هو وروسيا تعهداتهم بوقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد رغم زعم ثلاثي الشر: روسيا وتركيا وإيران ضمان وقف إطلاق النار. كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر هذه الفصائل دون أن تحرك ساكنًا، إلا ما كان منها من صراخ كصراخ الفريسة بعد وقوعها بين أنياب مفترسها وهو يُدَوِّرُها شمالًا ويمينًا بين ذراعيه وأنيابه، يتخيَّر أيِّ أعضائها يلتهم أولًا. لدرجة أن الثعلب (دي مستورا) لم يطق صبرًا على ستر ما حبسه طويلًا في صدره، عندما أبدى شماتته بهذه الفصائل، حين هدَّد المعارضة السورية بعزمه اتخاذ قرار بتحديد أعضاء الوفد بنفسه للمشاركة بمفاوضات جنيف في حال عدم اتفاقها قائلًا: سأضطر إلى اللجوء للتدابير التي لم أطبقها سابقًا، بموجب القرار رقم 2254″.[عربي21 في 1/2/2017م]. ومن جانبه قيَّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوضعَ في سوريا، بعد تقدم قوات الأسد على عدة جبهات، مدعومة بالميليشيات الإيرانية، فقال في تصريح صحفي في ختام قمة (بريكس) بمدينة شيامن الصينية: إن الوضع الميداني في سوريا يتغير جذريًّا لصالح القوات الحكومية، نظام الأسد ، معتبرًا في الوقت نفسه أنه من السابق لأوانه الحديث عن القضاء على الإرهاب، وأضاف: فعلًا، الوضع يتغيَّر لصالح القوات الحكومية، أنتم تعرفون أن الأراضي الخاضعة لسيطرتها اتسعت أضعافًا في غضون سنة ونصف السنة أو سنتين، وتتطور هذه العملية بوتائر متسارعة. [الدرر الشامية 5/9/2017م بتصرف]. وفي ذات السياق، أعلن (حزب الله) اللبناني الحليف القوي للحكومة السورية، النصر في الحرب في سوريا، مشيرًا إلى القتال المتبقي على أنه معارك متفرقة، بحسب ما نقلته تقارير إعلامية عن (حسن نصر الله)، الأمين العام للحزب. [بي بي سي، عربي 12/9/2017م]. ولم يقف الأمر عند هؤلاء النَّكِرات، فقد رفضت الأمم المتحدة في وقت سابق تحميل روسيا ونظام الأسد مسؤولية استهداف المشافي والمراكز الطبية في مدينة إدلب وريفها خلال الأيام الماضية، وندَّد (يان إيجلاند) مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا في تصريحات صحافية بقصف طائرات حربية هذا الأسبوع 5 مستشفيات ومخزنين للمساعدات الإنسانية في إدلب، دون أن يحمل أي طرف المسؤولية عن هذه الجرائم، وفقًا لوكالة رويترز، ورفض (إيجلاند) أن يحمل أي طرف المسؤولية عن هذه الجرائم، مضيفًا أنه ليس واضحًا من نفذ هذه الهجمات. وذلك برغم توثيق منظمات دولية ومحلية تعمد روسيا ونظام الأسد استهداف المشافي والمراكز الطبية والمدارس خلال الحملة الأخيرة في المناطق المحررة في شمال سوريا. [الدرر الشامية 28/9/2017م].
ولم تكن ردة الفعل التركية تجاه خرق النظام السوري وروسيا لاتفاقهم المزعوم مع تركيا إلا رقصًا على جراحات أهل الشام. علَّق وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على القصف الروسي المتواصل على إدلب بالتعاون مع نظام الأسد، بعد انتهاء محادثات (أستانا 6) فقال في حديثٍ مع قناة تلفزيونية تركية: إن استهداف المدنيين في مدينة إدلب السورية يعد انهيارًا لاتفاقية أستانا، واعتبر الوزير التركي أن القصف على إدلب يعني انتهاكًا للهدنة المعلنة فيها”، في إشارةٍ إلى التصعيد الكبير من الطيران الروسي على قرى وبلدات أرياف إدلب الأربع… ثم إن أميركا بدورها الراعي والموجِّه لكل هذه التحركات رحبت وباركت الدور الخياني لتركيا بقيادة (أردوغان). رحبت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بالتحركات التركية الرامية لحماية وقف إطلاق النار في إدلب السورية، ضمن اتفاق مناطق خفض العنف، معلنة تعاونها في دعم القوات التركية، وقال المتحدث باسم البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط (إريك باهون): ندعم جهود تركيا حــليــفتــنا بحلف شمال الأطلسي (ناتو) في مكافحة الإرهاب، ومساعيها الرامية لحماية حدودها. [ شبكة شام الإخبارية 8/10/2017م].
إن بلوغ الوضع في سوريا إلى هذا المستوى الخطير، ينذر بأسوأ العواقب وأفظعها إن لم يتدارك الثوار أمرهم قبل أن يقول قائلهم: أُكلت يوم أن أكل الثور الأبيض. فقد كان رئيس الوفد الروسي إلى محادثات أستانة قال: إن الجهود الروسية ستتوجه لمحاربة الفصائل التي ستقاتل قوات الأسد وذلك بعد الانتهاء من المعارك مع تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية، وأكد رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرينتيف، في مؤتمر صحفي بالعاصمة الكازاخية، أن قوات الأسد انتهت من فك الحصار عن مدينة دير الزور، والحرب على تنظيم داعش ستنتهي خلال أشهر، وحينها سينتقل الحديث إلى قتال المجموعات التي تريد محاربة النظام، ولفت المندوب الروسي إلى وجود تنسيق مع المبعوث الأممي إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، والمندوب الأميركي، مؤكدًا على توافق الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) حول ذلك. [وكالة شهبا برس 14/9/2017م] لذلك نجد أن تحركات روسيا السياسية قد نشطت بشكل لافت عقب هذه التطورات أملًا في تحقيق حل سياسي برعايتها، فتكون لها اليد الطولى في بلورة هذا الحل وإخراجه رفعًا لمكانتها الدولية من جهة، وتسريعًا لانتهاء دورها العسكري في سوريا الذي أثقل كاهلها وكلفها الكثير من جهة أخرى. وفي هذا الإطار كانت روسيا قد وجهت الدعوة لـ (33 جماعة وحزبًا سوريًا) لحضور ما وصفته بالمؤتمر السوري للحوار الوطني في منتجع (سوتشي) على البحر الأسود في 18/ 11/2017م؛ لبحث دستور جديد لسوريا والإصلاحات السياسية المحتملة. [الدرر الشامية 2/11/2017م بتصرف].
ويبدو أن الغباء الروسي لم يستوعب بعد أن دور روسيا في الشام دور عسكري فقط، كان وما زال وسيبقى بتوكيل من أميركا، وأن بلورة الحلول السياسية ليس من صلاحياتها، بل من صلاحيات أميركا التي أتت بها لتثبت أركان النظام وتمنع سقوطه إلى حين تكريس النظام السياسي القائم مكانه وحسب. من أجل ذلك عملت أميركا على إفشال مؤتمر (سوتشي) وتوجيه صفعة قاسية لروسيا. فقد أعلنت الأمم المتحدة، أن المؤتمر الذي دعت إليه روسيا بشأن سوريا في (سوتشي) ليس اجتماعًا أمميًّا، وأعلنت الهيئة العليا للتفاوض، رفضها للمؤتمر الذي دعت له روسيا، مؤكدة أنها لن تشارك في أي فعاليات تُعقد خارج المظلة الأممية، ولا تتوافر فيها الضمانات الدولية لضبط الامتثال وحفظ حقوق شعبنا. [الدرر الشامية2/11/2017م]. مما حدا بروسيا إلى تأجيل المؤتمر حفظًا لماء وجهها.
وفي ظل وقوف روسيا المعلن مع نظام بشار، وقتالها إلى جانبه، واستغباء أميركا لها. تُظهر الثانية نفسها وكأنها بريئة من جرائم القتل والتنكيل والتهجير لأهل الشام، بل وتظهر عداءها لإيران ونظام بشار وتنظيم الدولة تعميةً لهدفها الحقيقي وراء ظهرها، هذا الهدف المتمثل في وأد الثورة التي وجدت أميركا فيها النَّفَس الإسلامي المطالب بتحكيم شرع الله في دولة الخلافة الإسلامية. أكد وزير الدفاع الأميركي (جيمس ماتيس) أن بلاده ستحافظ على وجودها العسكري في سوريا حتى تؤدي مفاوضات جنيف إلى اتفاق، كما ستواصل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية طالما ظل يقاتل. وقال: إن مفاوضات جنيف التي تشرف عليها الأمم المتحدة هي المكان الذي سنذهب إليه من أجل مصالحة سياسية، وهدفنا الآن هو مواصلة عملياتنا حتى نقضي على تنظيم الدولة، وشدَّد على أن الانتصار على تنظيم الدولة سيتحقق حينما يصبح بإمكان أبناء البلد أنفسهم تولي أمره، وأوضح أن قواته لن تغادر سوريا في الحال، وأن قوات التحالف الدولي ستظل تقاتل طالما ظل تنظيم الدولة يريد القتال. [الجزيرة نت 14/11/2017م]. وقالت الولايات المتحدة: إن الجيش الأميركي باقٍ في سوريا ليس فقط لدحر تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية بالكامل، بل من أجل منع الرئيس السوري من بسط سيطرته على كامل البلاد مع حليفته إيران. [بي بي سي عربي 18/1/2018م].
ولئن كنا نجد تفسيرًا لوقوف أميركا وروسيا وسائر الكفار مع نظام الأسد على أنه حفاظ على بقاء مصالح هذه الدول، بل وعلى وجودها في المنطقة. فإننا لا نجد تفسيرًا للباعث وراء خيانة أردوغان لأهل الشام لا بالتخلي عنهم وحسب، بل والاصطفاف مع دول الكفر للالتفاف على الثورة، وتكريس الحل السياسي الأميركي العلماني في أرض الشام المباركة! وما عملية (غصن الزيتون) في الشمال السوري إلا حلقة في سلسلة من حلقات غدر أردوغان بأهل الشام، بهدف تسليم (إدلب) هذه المرة للنظام، كما كان قد سلم حلب من قبل. فهل يرعوي المخدوعون به، أم أُشربوا في قلوبهم العِجل بجهلهم؟!.
فقد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، السبت 20/1/2018م، أن الجيش التركي بات يقصف برًا وجوًا منطقة (عفرين) شمال سوريا التي يسيطر عليها المسلحون الأكراد، في مستهل عملية (غصن الزيتون) التي أعلنتها أنقرة. ولفت الوزير التركي إلى أن بلاده أبلغت كل الأطراف بما نقوم به، حتى إننا أبلغنا خطيًا النظام السوري”، مضيفًا: رغم أن لا علاقات لنا مع النظام، نقوم بهذه الخطوات انسجامًا مع القانون الدولي. [سكاي نيوز عربي 20/1/2018م]. بل إن العملية التركية تمت بتنسيق مسبق مع روسيا. أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن قائد هيئة الأركان للجيش التركي (لوصي أكار) ورئيس الاستخبارات التركية (هاكان فيدان) اجتمعا برئيس هيئة الأركان الروسية (فاليري غيراسيموف) وتم خلال اللقاء مناقشة الوضع في سوريا، بما في ذلك مناطق خفض التصعيد. [شبكة شام الإخبارية 18/1/2018م]. وإنه لمن المخزي أن تشارك فصائل الدولار هي الأخرى في هذه العملية تكرارًا لسيناريو تسليم حلب. أفاد قيادي عسكري في الجيش السوري الحر أن العملية المقبلة على مناطق سيطرة ميليشيات الحماية الكردية شمال غرب حلب ستشارك فيها الفصائل تحت مسمى (الجيش السوري الوطني) وأكد القيادي، الذي فضَّل عدم ذكر اسمه، أن هناك مباحثات مبدئية بين الفصائل بمختلف أعراقها مع الضباط الأتراك الموجودين في قواعدهم العسكرية شمال وشرق حلب لبحث تفاصيل المعركة والمحاور التي سيتم التحرك فيها، مفضلًا عدم ذكر أي تفاصيل إضافية للحفاظ على سرية العمل. [شبكة نداء سوريا 16/1/2018م].
وقد تمت المشاركة فعلًا، وبكل وقاحة استدارت بندقية فصائل الدولار والخزي والعار بعيدًا عن نحر قاتلي أطفال ونساء وشيوخ أهل الشام، وصوَّبت نارها وشرارها نحو الأكراد انسجامًا مع مخطط تركيا – أميركا – لتسليم (إدلب) للنظام البعثي المجرم. فقد تابعت فصائل الجيش السوري الحر تقدمها اليوم السبت في اليوم الثامن لعملية (غصن الزيتون) في منطقة عفرين، وسيطرت خلالها على تلة المرسيدس وعدة تلال مجاورة مطلة على جنديرس بعد معارك مع وحدات حماية الشعبYPG) )، وسبق ذلك سيطرتها صباحًا على قرية بسكي و(النقطة 740) ومعسكر تدريب ضمن جبال (راجو) غرب عفرين بعد انهيار دفاعات وحدات حماية الشعب (YPG). [شبكة شام الإخبارية 27/1/2018م]. وبموازاة العمل العسكري الذي بدأت به تركيا ومعها فصائل الدولار والخزي والعار ضد قوات حماية الشعب الكردي، أُطلقت يد النظام وروسيا بعد خُلو الساحة من المقاومة بسبب صرف (الخائن أردوغان) الفصائل من وجه النظام نحو قتال الأكراد، أُطلقت يده وتحرك طيرانه وزحفت أرتاله تقتل وتقصف وتدمر تحت سمع وبصر هذه الفصائل وأردوغانها الذي كان عاهد من قبل بأنه لن يسمح بحماة ثانية!. أوردت [شبكة شام الإخبارية 27/1/2018م]: شن الطيران الحربي والمروحي الروسي والأسدي غارات جوية عنيفة ومكثفة بالريف الشرقي والجنوبي لمحافظة إدلب أدت لسقوط شهيدين في مدينة بلدة رأس العين، ووقوع جرحى (ببلدات وقرى طويل الحليب وتل السلطان والربيعة والشوحا) أما في الريف الغربي فقد تعرضت مدينة (جسر الشغور) لقصف صاروخي أدى لسقوط شهيد وعدد من الجرحى كما تعرضت بلدتي (داما والغسانية) لقصف مماثل؛ ما أدى لسقوط جرحى. وفي حلب أعلنت قوات الأسد عن تمكنها من السيطرة على (تلة الوز) غرب قرية (طرفاوي) بالريف الجنوبي بعد اشتباكات مع هيئة تحرير الشام.
وبطبيعة الحال، فإن عملية عسكرية بهذا الحجم، لا يمكن أن تتم دون موافقة أميركا ومصادقتها عليها مسبقًا، بل إن تحركات أميركا الأخيرة لتسليح وتدريب جيش جُلُّه من الأكراد تزامن مع التحضير لعملية (غصن الزيتون) لاستفزاز تركيا وحملها على عمل عسكري ضد الأكراد الذين تتوجس تركيا من أطماعهم بإنشاء كيان كردي على حدودها مع سوريا. فقد قال (أريك باهون) المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية: إن بلاده تدرب ما يسمى (قوات سوريا الديمقراطية) لتحويلها من قوة قتالية إلى قوة إرساء الاستقرار أو قوة سيطرة ميدانية. [شبكة شام الإخبارية 18/1/2018م]. وما يؤكد موافقة أميركا، بل ودفع تركيا لهذا العمل العسكري:
1- نفى وزير الخارجية الأميركي (ريكس تيلرسون) اعتزام بلده إقامة قوة حرس حدود في شمال سوريا، قائلًا: إن هناك توصيفًا خاطئًا للأمر… [بي بي سي عربي 18/1/2018م]. ويقصد بذلك طمأنة تركيا التي أثارت زوبعة في فنجان اعتراضًا على تدريب أميركا لقوات كردية في سوريا.
2- قال خبير أمني أميركي: إن الإدارة الأميركية تأمل في ألا تتمدد العملية العسكرية التي تشنها القوات التركية في عفرين إلى مناطق أخرى، مؤكدًا أن واشنطن لا تملك أوراق قوة ممكن أن تستخدمها لحث أنقرة على وقف عمليتها العسكرية. [ عربي21. 24/1/2018م].
3- كشف وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) أن نظيره الأميركي (ريكس تيلرسون) طرح اقتراحًا بإقامة خط أمني بعمق 30 كم في سوريا، بما يلبي المخاوف الأمنية لأنقرة. [arabic.rt.com 24/1 /2018م].
4 – اتفق المتحدث باسم الرئاسة التركية (إبراهيم كالن) ومستشار الأمن القومي الأميركي (هربرت ماكماستر) على وقف تزويد مقاتلي وحدات حماية الشعب (واي بي جي) بالأسلحة. وبحسب وكالة الأناضول، أجرى كالن وماكماستر مكالمة هاتفية، اليوم السبت أكدا فيه على وقف تزويد تنظيمات كردية عسكرية بالسلاح، والتوصل إلى تفاهم حول التنسيق بين الطرفين، وشدد كالن خلال اتصاله مع ماكماستر على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية المشروعة لـتركيا، والتنسيق الوثيق لتجنب سوء الفهم. [شبكة شام الإخبارية. 27/1/2018م].
إن المخاض العسير الذي أفرزته أحداث الثورة في سوريا في السنوات السبع الماضية؛ حيث تقدم النظام على معظم الجبهات عسكريًا بدعم روسي وإيراني لا محدود، ونجاح تركيا والسعودية وغرفتي (الموك والموم) في تكبيل الفصائل، ومن ثم تكبيدها خسائر مواقع استراتيجية، وانحسار (خلافة تنظيم الدولة المزعومة) إلى حد اللاوجود أو قريبًا منه، وَتَزَيُّل الثوار المخلصين بصدقهم مع الله في مناطق غير متصلة جغرافيًا أو عزلهم في (إدلب وريفها) كل ذلك وغيره هيَّأَ مناخًا يستلزم صياغة أميركية للمشهد السوري على النحو التالي:
1- استبقاء الدعم الروسي والإيراني العسكري لنظام بشار بن أبيه على ما هو عليه، وإظهار هذا الثلاثي اللعين كأنهم حلف واحد مهمته القتل من أجل القتل لكسر إرادة أهل الشام.
2- السماح بالتحركات الدبلوماسية بالتنسيق بين ثلاثي الشر (تركيا وروسيا وإيران) الرامية إلى استدراج فصائل المعارضة رويدًا رويدًا عبر مؤتمرات (أستانة) المتتالية، وإطفاء جذوة الثورة في نهاية المطاف.
3- بموازاة ذلك يعمل الثعلب (دي مستورا) على اقتناص الفرص في محطات (جنيف) لجمع قوى المعارضة مع النظام؛ لدحرجة القضية من تنازل إلى تَهَوُّك، حتى يتسنى لأميركا إنضاج البديل، إما ببقاء بشار نفسه على رأس النظام، وإما بتنصيب مارقٍ آخر يحكم قبضته على الشام وأهله، ولكن هيهات.
4- إبقاء جيوب يتواجد فيها تنظيم الدولة كشماعة قانونية تسوِّغ محاربة كل القوى، أميركا وروسيا وتركيا وإيران والنظام والأكراد وفصائل المعارضة المعتدلة، للثوار المخلصين (الإرهاب) تحت مسمى محاربة هذا التنظيم،كلما لزم الأمر.
5- إبداء أميركا حالة العداء مع إيران والنظام تضليلًا لأهل الشام، على غرار استراتيجيتها الحالية بعزل إيران في المنطقة، وإبداء عدم الرضى من أعمال القتل والفتك التي يرتكبها هؤلاء وروسيا بحق أهل الشام، مقابل دعمها العسكري المعلن للأكراد مؤخرًا.
إن كثرة قوى الشر – الدولية والإقليمية والمحلية – المعادية لثورة الشام على اختلاف دوافعها وأهدافها، يجعل منها حلفًا واحدًا تحزَّب على أهل الشام (خيرة الله من عباده) ماكرين مكرًا تكاد تزول منه الجبال ﴿وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ ٤٦ فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ ٤٧﴾ [إبراهيم: 46 – 47]. ومع كثرة الآلام والإثخان في القتل، والاستمرار في التنكيل والتشريد بحق أهلنا في الشام، فإن عاقلًا لا يمكن أن يحكم بأن أميركا – رأس الكفر – قد بلغت مبتغاها في سوريا؛ فلا هي مكَّنت بشار بن أبيه من العودة إلى عهد ما قبل الثورة، ولا أوجدت بديلًا عنه يقوم مقامه بالكفر والطاغوت في أرض الشام.
إن الفراغ السياسي هو التوصيف الأدق لواقع الشام مع دخول الثورة عامها الثامن، وحقيقة الصراع أنه صراع حضاري بين فكرتين وحضارتين ومبدأين: الإسلام وفكرته وحضارته بقيادة حزب التحرير والمخلصين معه من أهل الشام وأبناء الأمة عامة، والرأسمالية وعلمانيتها وحضارتها بقيادة رأس الكفر أميركا وأشياعها وأحزابها وأتباعها… ومع بلوغ الصراع مرحلة الخروج من عنق الزجاجة، ينبغي على أهل الشام عامة، وثوارها المجاهدين خاصة، أن يستمسكوا بمبدئهم: بفكرته وحضارته ودولته، دولة الخلافة الإسلامية، وأن يعزموا أمرهم على وأد مشروع أميركا العلماني، وإحياء مشروع الإسلام السياسي، دولة الخلافة الإسلامية، فتذكرهم تضحيات أهل الشام التي تفوق الحد والوصف بخير، وتكون لهم سابقة تُسجل في صحائف من نور يوم القيامة، تُدنيهم من الأنصار الأُول الذين أقاموا دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة.
قد يكون أعداء الثورة بقضِّهم وقضيضهم متفوقين على الثوار من الناحية العسكرية خصوصًا سلاح الجو، إلا أن كفة الثوار ميدانيًا هي الراجحة، وحوادث النزال بين الفريقين من بداية الثورة وحتى يومنا هذا تنطق بذلك،
لذلك نعود ونقول: إن الشام مازالت ساحة صراع غير مستقرة لأحد، ولئن كان أهل الشام يألمون، فإن أعداءهم مجتمعين يألمون أيضًا. وأهل الشام يرجون من الله من النصر والتأييد ما لا يرجوه أعداؤهم، وتِلكَ مَزيَـــةٌ لهم وليست لأعدائهم أفلا يتدبَّرون؟، قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُواْ فِي ٱبۡتِغَآءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُواْ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ١٠٤﴾ [سورة النساء: 104]. وإني في هذا المقال لا أخاطب أهل الشام كمحلل عسكري تستضيفه فضائية من الفضائيات، أو خبير استراتيجي يستمتع بتقليب الأحداث على صفحات الصحف. وإنما أخاطبهم كمسلم– وكفى بها من نعمة – مُتحرِّقٍ من هول ما أصاب الشام من لأواء، ومتشوقٍ لرؤية الرايات البيضاء والسوداء – رايات الخلافة – تصطفق في ساحة الأموي معلنةً قيام دولة الخلافة في أرضٍ لا يليق أن يرتكز فيها إلا عمود الكتاب الذي أبصره رسول الله – صلوات ربي وسلامه عليه – عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ». [فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل].
فيا أهل الشام ، اذكروا إذ جمع الله لكم شرف المكان والإنسان في آن، أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرًا، ولقد قدَّمتم من التضحيات ما يفوق الحد والوصف، ولم يبقَ ما تتأسفون عليه بعد قتل الأولاد وتهجير الأهل وتخريب البلاد… واعلموا أنكم محضن التغيير الجذري، فأنتم القاعدة الجماهيرية التي مازالت صامدة في وجه طاغوت أميركا وروسيا والنظام ومن تابَعَهم وسهَّل لهم طريقًا إلى بلاد الشام. فاثبُتوا على مطلب الخلافة الحق الذي لا عِزَّ لكم إلا به، وارفعوا الصوت عاليًا مطالبين بكسر الأيادي التي مُدَّت لمال تركيا والسعودية وقطر السياسي… ومطالبين الفصائل بتوحيد الغاية التي لا غاية سواها: إسقاط النظام في وكره، وإعلان حكم الله على أطلاله.
ويا أيها الثوار، إن عليكم إن كنتم حقًا خرجتم جهادًا في سبيل الله، وابتغاء مرضاته بإسقاط النظام بكل أركانه، وإقامة حكم الله مكانه، إن عليكم:
1 – تبني مشروع سياسي منبثق من العقيدة الإسلامية، مشروع الخلافة، واتخاذ (حـــزب الـــتـــحـــريـــر) قيادة سياسية للثورة.
2 – قطع الحبال مع الكفار عبر غرفتي (الموك والموم)، ونثر المال السياسي القذر نارًا في وجه تركيا والسعودية ومن شاكلهم من الدول الإقليمية الكائدة بالثورة.
3 – إعلان البراءة من كل الهدن والاتفاقيات التي سبق أن وُقعت مع النظام، سواء كانت برعاية روسية، أم أممية، أم تركية، أم سعودية…
4 – نبذ كل ما جاء في مؤتمرات أستانة وأخواتها، وجنيف وتابعاتها، من اتفاقيات وتفاهمات، وتشريد ما خَلفها مِنَ المِنَصَّات.
5 – التصريح العلني والواضح بكفر أميركا وروسيا وأوروبا ويهود، وأنهم دول استعمارية تسعى من خلال مشاريعها السياسية لإبقاء سوريا الشام تابعة لها، خاضعة لهيمنتها.
6 – النظر إلى المؤسسات الدولية – الأمم المتحدة وأخواتها – على أنها مؤسسات كفر استعمارية تستخدمها أميركا لفرض هيمنتها وتحقيق مصالحها.
7 – اعتبار المنظمات الإقليمية – جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها – منظمات ضرار عميلة للكافر المستعمر معادية لمصالح المسلمين.
8 – نبذ الخلافات جانبًا، وترك التفكير بعقلية الفصيل والمِنطقة التي أضرت بالثورة، وجمَّدت نشاطها.
9 – المباشرة بتشكيل غرف عمليات مشتركة تتوزع في مناطق استراتيجية يحدد مواقعها أهل الخبرة، بحيث تخضع جميعها لقيادة عسكرية واحدة من أهل الصلاح والكفاءة والقوة، وتتخذ من عملها نصرة لدين الله، وإقامة شرعه.
10 – إعلان فتح الجبهات على طول وعرض سوريا تزامنًا مع مباشرة الحاضنة الجماهيرية – سواد أهل الشام – بالتحريض على القتال، وتعظيم أجر الشهادة في سبيل الله. وفتح الجبهات بهذه الطريقة الشمولية يؤدي إلى:
أ – تحفيز المتقاعسين والمترددين من الثوار على الالتحاق بركب الثورة.
ب – رفع همة المجاهدين عاليًا، والاستبشار بقرب النصر.
ج – تثبيط عزيمة مقاتلي النظام والإيرانيين وأذنابهم.
د – تشتيت قوة النظام وإضعافها، والتشريد بِمَن خلفها من قوات دول الكفر.
هـ – سقوط النظام وانهيار قطاعاته العسكرية.
إن المسلمين في شرق الأرض وغربها يستبشرون بنصرٍ من الله يمنُّ به عليهم، بعد أن تجرَّعوا مُرَّ العيش تحت وطأة حُكام الملك الجبري العملاء، هؤلاء الحكام الذين والَوا أعداء المسلمين الكفار، وأسلموهم بلادهم ورقابهم وأعراضهم وأموالهم ومقدساتهم من غير إيجاف خيل ولا ركاب، فذَلُّوا وأذلُّوا، وضَلُّوا وأضَلُّوا.
ولأن أرض الشام شامةٌ، تدرك أميركا مَزيَتَها على غيرها من الأمصار، وتدرك أيضًا مَزيةَ أهل الشام على غيرهم من المسلمين؛ فقد عمدت إلى أشد الأنظمة بطشًا وتنكيلًا بشعوبها – نظام البعث العلوي ذي الصبغة الطائفية – ونصَّبته عميلًا لها يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها في سوريا الشام، أرض الجهاد والعلماء والقادة العظماء، فهل ينهي أهل الشام أحلام أميركا بإقامة خلافة إسلامية على منهاج النبوة؟
2018-03-20