الهالة المزيّفة للبيت الأبيض والكرملين والشانزيليزيه وعشرة داوننغ ستريت
1989/06/10م
المقالات
2,132 زيارة
كثيرون هم المصابون بعقدة السماح لهم بزيارة (البيت الأبيض) أو (الشانزيلزيه) وخصوصا من الحكام زعماء الثورات في العالم الإسلامي. منهم من يحلم بذلك ليل نهار ولا زال يحلم، ومنهم من حقّق حلم العمر بمقابلة ميتران والجلوس بين يديه كالتلميذ النجيب، ومنهم من جلس بين يدي ريغان – قبل انصرافه – في خشوع وتصوّف، إن لم نقل في صغر وتذلل، ومنهم من يطلب من (الأسياد) الصفح والسماح عن زلّة قلم أو لسان وقع فيها في بداية انطلاقته الميمونة، حينما كان غيرم درك بأن الأهداف الكبيرة تتطلّب رجالا كبارا ففوجئ بأنّه ليس منهم. وفوجئ أيضا بأنّ الأهداف التيّ وضعها في البداية للدعاية أصبحت قيدا يكبّل يديه وعنقه، ولا يحسن التراجع عنها إلاّ بعد أن يناور طويلا، ويتلون كثيرا، حتى أصبح الالتقاء برئيس فرنسا قمّة الانتصار، وأصبح السعي للالتقاء برئيس أمريكا مبررا لتقديم كل التنازلات للأعداء، واصحبن عواصم الغرب هي محجة سوداء لزعمائنا، حتّى أنهم أطلقوا عليها اسم (عواصم القرار) وهذه التسمية اعتراف من قبلهم صريح بأنّ القرار بأيدي تلك العواصم وليس بأيدي الحكّام المحليين أو أهل المنطقة أو رعاياهم.
لقد أوجد الغرب هالة من التفخيم لزعمائه وللمقرّ الرسمي للرئيس حتّى انعكس ذلك على الجميع حتّى في بلاد المسلمين، مع أنّ الإسلام لا يعظم الأشخاص ولا القصور مهما كبر شنها، وشاهدنا على ذلك موقف المسلمين من كسرى ملك الفرس وإيوانه الضخم أيام كان الفرس أصحاب النفوذ الأول كأنداد للروم، يومها لم تذهب الوفود ولم يذهب الزعيم طالبا التدخّل لإنقاذ الأمن أو الإقتصاد أو النصرة على الجيران، بل ذهب أعرابيّ من عامة النّاس يحمل رسالة على كسرى مكتوبا فيها: “أسلم تسلم” وكذلك حصل مع القيصر إمبراطور الروم فلا قوة السلطان أرهبتهم ولا رهبة الإيوان أذهلتهم، ليس عندهم كبير سوى الله سبحانه وتعالى. ولا يخافون غير الله ولا يشتاقون إلى ارتياد قصور الدنيا، بل تتلهف نفوسهم لقصور الجنّة ولا يتطلّعون إلى رضى (أسياد القرار) بل يبتغون فضلا من الله ورضوانا.
1989-06-10