أصحاب النّخوة والمروءة
1989/06/10م
المقالات
3,029 زيارة
عندما طالبت الحكومة السودانية مصر مراراً وتكراراً بتسليم جعفر النميري لمحاكمته على ما اقترفه إبان فترة حكمة، رفضت مصر رفضاً قاطعاً. والتزمت بحماية النميري لأنه لجأ إليها. قال حسني مبارك عن تسليم النميري: “ده ما يتفقش مع تقاليد مَصْر“.
يا للشهامة، ويا للمروءة، ويا للنخوة.
حسني مبارك مستعد لتعريض علاقات بلاده بالسودان للخطر كما يقول، ويأبى إلا أن يلتزم بالتقاليد والشهامة والمروءة!
بوركت يا صاحب المروءة. ولو أن عشرة من أصحاب النخوة من أفضالك كانوا على رأس الحكم في بلاد المسلمين، لصرنا في أحسن حال!
أين كانت هذه التقاليد يا صاحب الشهامة والمروءة حين سلّمت من سلّمت إلى زميلك (صاحب النّخوة كذلك) سياد بري في الصومال تسليم اليد، فاعتقلهم في المطار وأعدمهم في الحال، لا لشيء إلا أن يقولوا ربّنا الله؟
وأين كانت هذه التقاليد عندما سلمت طلاب الشريعة لديك من أهل العراق والبحرين إلى أنظمتهم، لا لشيء إلا أن يقولوا ربّنا الله، وقد حملوا جوازات الإقامة لديك، وهي الإذن والأمان عند أهل الجاهليّة؟
أم ترى “مروءتك” لا تثور إلا على المجرمين حقّا؟
أم لعلّك تحسب لنفسك خط رجعة، لئلا يسلمك من قد تلجأ إليه عندما يكشف حسابك في مصر؟
ولكن أهل النخوة والمروءة من حكّام هذه الأمة كثير ولله الحمد، فيا هَنَاهَا بالشهامة والمروءة والنخوة العربيّة، لا بل وسلكوا سبيل التعاون على هذه الشيم الفاضلة!
فعندما وقّعوا على النظام التأسيسي لما يسمى بمجلس التعاون العربي، لم ينس الأفاضل أصحاب النخوة العربية أهم مجال للتعاون، وهو ضرورة تبادل “المجرمين” والمجرمون ليسوا طواغيت البلاد ولا لصوصها ولا قتلتها، ولكن المجرمين من اقترفوا الجريمة النكراء التّي لا تغتفر، وعارضوا حكام النخوة والمروءة.
إنها جريمة نكراء، وهي الخيانة العظمى “للوطن” والشعب والأمة، ولا يقدم عليها إلا عميل مأجور دفعته دوائر الاستخبارات الأجنبية والجيوب العميلة…
فحينذاك حقّ لأصحاب النخوة، بل وجب عليهم مطاردة أولئك المجرمين، وحرمانهم جوازات السفر، ومطالبة أهل النخوة بتسليمهم إذا ما التجأوا إليهم.
فإنّك إن اقترفت هذه الجريمة، والتجأت إلى أصحاب النخوة، فانّ الشهامة والمروءة تقتضيان عدم منحك الأمان.
بل وأكثر، إن الشهامة والمروءة تقتضيان أن تُعتقل وتُسلم مخفوراً إلى مطاريدك.
فهنيئا للأمة بتقاليدها ونخوتها ومروءتها، وبارك الله في تعاونها، وقد قال تعالى (وتعانوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
وهنيئا لها بحكّامها أصحاب الشهامة الذين يستحي من أفعالهم أهل الجاهلية.
طبعا، فأولئك أهل الجهل والجاهلية، أمّا نحن فأصحاب النخوة والمروءة، والتعاون على البرّ والتقوى.
هيثم بكر
1989-06-10