الذين يزينون التقسيم
1989/07/06م
المقالات, كلمات الأعداد
1,904 زيارة
قال الملك الحسن، ملك المغرب، في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الرباط في 05/06/89 والذي خصصه للشؤون اللبنانية: (نرجو من كل لبناني كيفما كانت حيثياته أن يعلم أولاً أن فكرة تقسيم لبنان هي من أخطر الأخطار، لأنها ليست فكرة يمكن أن تدوم أو تعيش). وقال: (وحتى، لا قدر الله، إذا كانت هناك شرذمة قليلة جداً تظن أنه من الممكن تقسيم لبنان يوماً ما، فأقول لها: إن هذا خطأ وخطأ خطير لأن التقسيم لن يتحقق، والحلم في التقسيم والتفكير في التقسيم سوف يكون عرقلة كأداة للوصول إلى الهدف بسرعة).
هذا الكلام لم يأتِ الملك الحسن من فراغ، بل هو يلمس أن هناك من يعمل بجدِّ من أجل التقسيم.
من هذه الجهة التي تعمل للتقسيم؟
سبق لسمير جعجع أن قال بأن حدوده تمتد من كفر شيما حتى المدفون. وكانت جريدة النهار البيروتية قالت في 31/01/89 (بقلم سركيس نعوم) تصف وضع المنطقة الشرقية: (ما هي الصيغة الممكنة للبنان المستقبل في رأي مسيحي الشرقية؟ هناك صيغتان… الأولى… صيغة مركزية… تدعمها القوات اللبنانية.. قال جعجع: «إن الصيغة الـ 43 ماتت، وأن مصلحة لبنان تقتضي صيغة جديدة فدرالية، وأن لا تراجع عن هذا الهدف»… أما الصيغة الثانية، فأصحابها يعتقدون أن «لبنان الكبير» الذي أعلنه الجنرال الفرنسي غورو عام 1920، كان خطأ كبيراً إذ أخلّ بالمعادلة الطائفية في لبنان… وهم يعتقدون أيضاً أن لبنان الصغير… قد يحمل الحل…).
وفي 15/06/89 كتب فاضل سعيد عقل في جريدة النهار إياها يبيِّن حسنات التقسيم وفضائله، قال: (هل معنى عودة الحديث اليوم بكثافة، وبجدية، وبلهجة قاطعة، إلى تقسيم لبنان، أن تنفيذ التقسيم، رغم كل المظاهر المغايرة، صار مسألة أشهر إن لم تكن مسألة أسابيع، وأنَّ طبخة التقسيم نضجت؟
ولكن ـ وهذا السؤال يتبع احتمال التقسيم ـ هل لبنان يصيغته الجديدة قابل للحياة؟
يجيب أنصاره أو المتنبئون بحصوله أو العاملون على تحقيقه، بأن دولة لبنان الجديدة، ما دامت تحل كل المشاكل القائمة وترضي جميع الفئات، فهي قابلة للحياة، استناداً إلى الاعتبارات التالية:
1- إن لبنان المتصرفية كان مضموناً دولياً وكان له دستور راقٍ ومجلس منتخب وكان الأمن فيه سائداً.
2- إن له من صناعاته الصغيرة والوسطى مورداً ثابتاً.
3- إن زراعته ستزيد، خاصة الزراعات الخاصة بصناعة الأدوية.
4- إن مشاريعه السياحية والاصطيافية أو الإنشائية ستزداد وتنمو ويستجلب ملايين الأجانب كل سنة إلى مرابعه.
5- إن له أسواقاً مفتوحة أمام صناعاته وجارته وزراعته وخدماته في كل أنحاء العالم بحيث يتعزز اقتصاده.
6- إن له من نظام سرية المصارف ما يجعله مستودعاً للنقد النادر والعملات الصعبة، وملتقى دولياً للحركة المالية الدولية ونشاطاتها وتبادلاتها.
7- إن له من ملايين مغتربيه ضماناً لديمومته. فالكثيرون منهم سيعودون ويدشنون فيه حركة عمرانية واسعة النطاق ويؤسسون المشاريع المتنوعة (العقارية، الزراعية، المالية، الصناعية، السياحية، الثقافية…).
8- سيكون وضع لبنان الداخلي مستقراً، إذ يصبح وطناً متجانساً لا يعمل نصفه ضد النصف الآخر. ويكون وضعه الخارجي المحايد نقطة استقطاب وجاذبية للتعاون مع مهاراته واختصاصاته وأدمغته وخبراته… هذه أفكار تراود الكثيرين اليوم). انتهى كلا فاضل سعيد عقل.
الملك حسين يرتعب لفكرة تقسيم لبنان، وقد صرح غير مرة مبدياً قلقه من هذا التقسيم. وهذا يشير إلى أنه لمس أن الأمر جدي وليس مجرد فكرة خيالية. وهو قلق أو مرتعب ليس إشفاقاً على لبنان، بل لأن العدوى ستنتقل إلى الأردن بشكل سريع.
وفكرة التقسيم هذه يفكر فيها النصارى (والموارنة بشكل خاص) بعد بروز الفلسطينيين سنة 69 كقوة مسلحة في لبنان، وبعد فكرة توطينهم في لبنان. وزاد الموارنة ميلاً إلى التقسيم رؤيتهُم أن الدروز صاروا قوة كبيرة في الجبل، والشيعة صاروا قوة كبيرة في الجنوب والبقاع وبيروت. وسوريا موجودة إلى أجل غير مسمَّى في البقاع وشمال لبنان. وبذلك يئس الموارنة من إعادة سلطتهم على كل لبنان كما كان الأمر قبل سنة 69. وصاروا يخافون أن يفقدوا سلطتهم على المناطق التي يعتبرونها خاصة بهم مثل بيروت الشرقية وجونية وكسروان وجبيل.
والآن يوجد في المنطقة الشرقية تياران: الأول يريد استمرار لبنان دولة موحدة بحدوده الدولية المعروفة، شرط أن تكون هناك ضمانة لبقاء الموارنة في وضع متميز، أي أن لا يصبح الموارنة في لبنان كالنصارى في سوريا أو الأردن أو مصر أو غيرها لأنهم عند ئذ سيصبحون أقلية، ويزوا لبنان كبلد مميز للنصارى في الشرق أو «لبنان الملجأ» حسب نظرية الأب هنري لامنس اليسوعي الذي كان يدرِّس التاريخ في جامعة القديس يوسف في بيروت. وهذه الضمانة لبقاء «لبنان الملجأ» يجب أن يضمنها الدستور وأن تضمنها الدول الكبرى. هذا التيار يتمثَّل في بكركي وغالبية النواب في الداخل. ويؤيد هذا التيار فرنسا والفاتيكان من الخارج.
أما التيار الثاني فقد وصل إلى نتيجة هي أن العيش المشترك أصبح مستحيلاً «فالج لا تعالج» وكل محاولة في هذا الاتجاه هي هدر للجهد والوقت. وإذا كان لا بد من التقسيم فلينصَبّ الجهد على الحصول على الحدود والمناطق المناسبة، وعلى أسلوب الإخراج لعملية التقسيم بحيث تحصل الضمانة للنجاح والاستمرار.
هذا التيار يتمثل في القوات اللبنانية وفي ميشال عون وقيادة الجيش.
وكأسلوب للإخراج رأى ميشال عون أن يتحدى سوريا عسكرياً لإخراجها، وهو يعمل أنه لا يستطيع إخراجها لأنها موجودة بحسب خطة دولية، فينتج عن ذلك أن تتركز الحدود بين منطقته والمنطقة التي فيها سوريا. ومن أجل حماية هذه الحدود من الاجتياح ومن أجل إيجاد الهدوء لا بد من قوات فصل دولية على غرار القوات الموجود في لبنان أو في نيقوسيا مثلاً. وهذه القوات تثبت التقسيم على الأرض، ولا بأس أن يتأخر الاعتراف الدولي بهذا التقسيم.
أميركا أرادت إلغاء الكيان اللبناني ككيان ماروني، وأرادت إطلاق يد سوريا في الأمر. ولكن فرنسا عارضت بشكل مستميت، ومما قاله النائب الاشتراكي بابت: (إن فرنسا لا تكون فرنسا إذا انتهى لبنان). والبابا عارض إلغاء الكيان اللبناني ككيان ماروني أيضاً بشكل مستميت، وأرسل 16 رسالة إلى رؤساء دول في العالم يحضهم على التحرج واتخاذ تدابير عاجلة لحماية لبنان. وقد تحركت بعض الدول الأوروبية.
مما جعل أميركا تتراجع خطوة عن خطتها.
وهذا يعني أن التعديلات (الإصلاحات) في الدستور ستصبح شكلية فقط. فبينما كانت الإصلاحات الدستورية ستتناول العلاقات بحيث تجعلها فعلاً مميزة بين سوريا ولبنان وبحيث تجعل لسوريا الكلمة الفصل في انتخاب رئيس الجمهورية، صار المتوقع الآن الاكتفاء بتعديلات فارغة، وستكتفي أميركا بجعل رئيس الجمهورية تابعاً لها بدل أن يكون تابعاً لسوريا. وبذلك تبقى السيادة المارونية على لبنان، وهذا ما جعل فرنسا والفاتيكان وبكركي يرضون بهذه الوعود الأميركية.
ميشال عون لم يرض بهذه الوعود لأن مجرد الوصول إلى انتخابات لرئاسة الجمهورية (دون أن يكون هو الرئيس) معناه نهاية دور ميشال عون ونهاية ما بشَّر به من إخراج سوريا، وما خطط له في كتاب (ويبقى الجيش هو الحل) من إعادة تصحيح أوضاع لبنان.
ولذلك فإن عون محشور في الزاوية أمام اللجنة الثلاثية، سوريا مع اللجنة، وعون سيرفض وفرنسا والفاتيكان سيضغطون على عون للتجاوب مع اللجنة، وتجاوبه هو إنهاء لدوره.
فهل يتراجع ميشال عون ويقبل بإنهاء دوره بصورة سلمية أو أنه سيفجر الأمور عسكرياً وينهي دوره بنفسه ومَن حولَه بصورة مأساوية؟!!
1989-07-06