حقائق في مشكلة لبنان
1989/05/06م
المقالات, كلمات الأعداد
2,049 زيارة
1- لبنان غير قابل للحياة وحده. ليس فيه مقومات دولة، وليس فيه انسجام بشري. لم يكن في وقت من الأوقات مستقلاً. لم ينتخب أهله رئيسه يوماً بإرادتهم. تاريخه ملفق لأنه ليس له تاريخ إلا كجزء من كل، وليس له جغرافيا إلا كجزء من بلاد الشام. لقد أثبتت التجارب أنه محاولة فاشلة. الاستمرار في محاولة إبقائه مقطوعاً عن اصله هو استمرار في عذابه.
2- فرنسا هي أم لبنان (الأم الحنون). هي التي حاولت حماية الموارنة سنة 1860، وهي التي كبّرت لبنان عام 1920 أثناء انتدابها على سوريا ولبنان بموجب اتفاقية (سايكس بيكو). وهي قررت فصلة نهائياً عن بلاد الشام، وهي التي زوّرت إحصاء 1932 لتجعل الموارنة أكثرية. وهي التي كانت تمِدُه بإبر المقويات ليبقى على قيد الحياة رغم كونه كياناً مصطنعاً حتى أخرجتها بريطانيا منه في الحرب العالمية الثانية.
3- ما يسمى بالميثاق الوطني لم يصنعه أهل لبنان، ولم يتفق عليه بشارة الخوري ورياض الصلح، بل الذي قرره الإنجليز، وأمر به الجنرال سبيرز، ونفذه بشارة ورياض، وتحرك عملاء الإنجليز لإخراج فرنسا وإسكات عملاء فرنسا. وظل عملاء الإنجليز في السلطة إلى سنة 1958 حين حاولت أميركا إسقاط كميل شعمون بواسطة عبد الناصر. وكانت أميركا تنوي إلغاء كيان لبنان بجعله إقليماً في الجمهورية العربية المتحدة برئاسة عبد الناصر. ولكن حصل سنة 1958 انقلاب العراق من يد فيصل ونوري السعيد، أي من يد الإنجليز، إلى يد عبد الكريم قاسم، أي إلى يد الأميركان، فاكتفت أميركا مؤقتاً بهذه الغنيمة وتراجعت عن ضم لبنان إلى عبد الناصر، ولكنها سيطرت على رؤساء الجمهورية فيه.
4- لأن أميركا لم تكن هي التي أوجدت هذا الكيان المصطنع، ولأنها لا تقيم وزناً للطوائف والطائفية والدين فقد عادت سنة 1969 تحاول شطب كيان لبنان كما حولت سنة 1958، فقد رعت اتفاقية القاهرة لاستيعاب الفلسطينيين الموجودين في لبنان حيث هم.
5- أميركا لا تريد أن تشوّش عليها إنجلترا في لبنان ولا فرنسا ولا روسيا ولا إسرائيل ولا أدواتهم، وحتى لا تتلهى بمصارعة هؤلاء فقد اتفقت مع سوريا كي تضع يدها على لبنان لتحميه من كل هؤلاء ولتوجهه بحسب الصياغة التي يتم رسمها. والاتفاق الذي جرى بين مورفي والأسد هو تجسيد مُعْلَن لهذه السياسة.
6- لقد تم وضع يد سوريا على ثلاثة أرباع لبنان، ويبقى الربع الذي يسيطر عليه الآن ميشال عون. وهذا الربع ستضع سوريا يدها عليها سواء رضي الموارنة ومعهم فرنسا والإنجليز وإسرائيل أم غضبوا ما دام الاتفاق السوري الأميركي قائماً. ولكن سوريا ستكتفي بالهيمنة على الربع الباقي دون احتلاله عسكرياً، تهيمن عليه عن طريق العلاقات المميزة، وطريق شخص رئيس الجمهورية.
7- ميشال عون فهم هذا، ونواب النصارى فهموا هذا، وبكركي فهمت هذا، وفرنسا فهمت هذا. وهؤلاء كلهم مصرّون على رفض هذا. وأميركا وسوريا تصران على تحقيق هذا. ميشال عون قام لإحباط هذا عن طريق المدفع. النواب وبكركي يريدون إحباط هذا عن طريق الضغوط الدولية. فرنسا تريد إحباط ذلك عن طريق التدويل. عون وبكركي والنواب وفرنسا يعلمون أنهم لا يستطيعون إخراج سوريا من حيث هي، أي من ثلاثة أرباع لبنان، فيردون أن يتوصلوا إلى إدخال قوات فرنسية أو دولية لحماية الربع الباقي، أي يريدون التقسيم.
8- إذا تم إدخال قوات أجنبية (أوروبية بشكل خاص) لحماية المنطقة المارونية يكون لبنان قد انقسم فعلاً، ويصبح القسم الماروني مع القوات التي تحميه جسماً غريباً في المنطقة مثل إسرائيل ويصبح طعنة جديدة في صدر المنطقة تضاف إلى طعنة إسرائيل. وليس من المتوقع أن يحصل هذا لأن قوة أميركا الدولية تستطيع إفشال نظرية التدويل، وقوة سوريا الإقليمية والقوى المحلية التي معها تستطيع إفشال تدخلات إسرائيل ودعم العراق وغيرها. ولكن هذا سيجعل الحرب تطول وعذاب الناس يستمر.
9- والمخرج الوحيد هو أن يتراجع الموارنة عن عنادهم، وأن يرضوا أن يعيشوا كجزء من أبناء هذه البلاد، وأن يكفوا عن اعتبار أنفسهم جزءاً من الغرب، وأن يتركوا التشبث بالامتيازات. فإذا قبلوا أن يعيشوا مثل بقية الناس، لا يَظلِمون ولا يُظلَمون تكون المشكلة قد حُلّتْ دون عناء. وعليهم أن يفهموا أن إسرائيل والعراق يسخّرونهم ضد سوريا لمصلحة إسرائيل والعراق وليس لمصلحة الموارنة. وعليهم أن يفهموا أن دول الغرب والشعوب في الغرب لا يفهمون إلا مصالحهم وليسوا مستعدين أن يضحوا من أجل الأخلاق والإنسانية، فضلاً عن أنهم (أي الموارنة) ليسوا مظلومين، بل هم الظالمون بتشبثهم بالامتيازات.
10- إن خنوع المسلمين وقبولهم بحياة الدون، ورضاهم أن يكونوا مواطنين من الدرجة الرابعة هو الذي شجع الموارنة على التشبث بالامتيازات، وهو الذي أطمعهم بالتصرف المتعجرف.
11- لقد آن الأوان للحل الجذري، وليس للإصلاحات الترقيعية والمسكنات الوقتية. لبنان ليس بلداً أوروبياً، إنه جزء من بلاد الشام، جزء من البلاد الإسلامية. ويجب أن يعود الموارنة إلى حجمهم فهم ليسوا أفضل من نصارى سوريا والعراق ومصر وسائر البلاد الإسلامية. وليس صحيحاً أن الشرع الإسلامي يظلمهم أو ينتقص من حقوقهم وكرامتهم. وليس صحيحاً أن حكام البلاد الإسلامية عبر التاريخ قد ظلموهم أو احتقروهم. فإذا حصل أن بعض الحكام كانوا ظالمين فإنهم كانوا ظالمين للرعية كلها وليس للنصارى فقط، هذا لا يخلو منه التاريخ.
1989-05-06