)قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ(
نشر سلمان رشدي روايته (آيات شيطانية) في أواخر 1988. ورغم أن بعض المسلمين الذين قرأوها هاجموها لكنها بقيت مغمورة. وقد لاحظنا أن إذاعة لندن صارت تنشر أخباراً عنها بشكل مثير لمشاعر المسلمين. ودأبت على إدراجها في جميع نشراتها. وهذا يدل بدون لَبْس على أن الإنجليز لهم غرض سياسي من تحريك هذا الموضوع.
وكان أن أصدر الخميني الفتوى والأمر بقتل سلمان رشدي. وتلقفت إذاعة لندن موقف الخميني وصارت تزيد الموضوع اشتعالاً حتى جرّت مختلف وكالات الأنباء لإبرازه. وحوّله الإنجليز إلى قضية سياسية دولية شاركت فيها دول السوق الأوروبية وأميركا وكندا وغيرها من دول العالم.
ورأت السعودية أن لا تظل ساكتة وكذلك الأزهر والمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر.
هؤلاء كلهم أدوا خدمة للإنجليز من حيث يدرون أو لا يدرون. وأدوا خدمة لسلمان رشدي إذ قدموا له ولكتابه دعاوة مجانية. وبدل أن يعتموا عليه وعلى كتابه جعلوه بطلاً عالمياً وجعلوا دور النشر تتسابق على طبع كتابه، وجعلوا الصحف تنشر مقتطفات منه، وجعلوا الناس تتساءل بلهفة عن مضمون هذا الكتاب.
مجلس الفقه في السعودية اجتمع ـ حسب قولهم ـ مدة 48 ساعة لدراسة الأمر وخرج بموقف هو: إقامة دعوى لدى المحاكم الإنجليزية ضد الكتاب وضد مؤلف الكتاب. ويبدو أن مجلس الفقه لم يَبْنِ موقفه هذا على رأي فقهي إسلامي بل بناه على نصيحة من يسير حسب الفقه الغربي. إذ أن الفقه الإسلامي إذا أجاز ـ في بعض المذاهب ـ إقامة دعوى أمام محاكم الكفر في دار الكفر فإنما يجيزها لتحصيل حق شخصي، أما أن يقيم المسلمون دعوى في دار الكفر وأمام محكمة كفر ليطلبوا منها حماية العقيدة الإسلامية وصيانة المقدسات الإسلامية، فهذا تناقض وسذاجة، ويدل على أن فقهاءنا الأجلاّء لا يُصْدِرون في مواقفهم عن الفقه الحنيف.
وموقف المجلس الإسلامي الأعلى الجزائري كان شبيهاً بموقف مجلس الفقه السعودي، إذ رأى إقامة دعوى أمام المحاكم الإنجليزية.
أما شيخ الأزهر فقد رأى إصدار كتاب يفنّد ما جاء في كتاب سلمان رشدي ويرد عليه. وهذا الرأي من شيخ الأزهر أغرب من رأي مجلس الفقه السعودي. فما دام كتاب رشدي هو مجموعة شتائم كيف تفنّد الشتائم وترد عليها!
إن التناقض والسذاجة في موقف شيخ الأزهر ومجلس الفقه السعودي والمجلس الإسلامي الجزائري هو بسبب أن موقفهم كان ردة فعل مأمورين بها وليس موقفاً أصيلاً. لقد رأوا أن الخميني سبقهم واتخذ موقفاً شديداً من رشدي وكتابه. وحتى لا يظهر الخميني أنه هو وحده حامي حِمى الإسلام أرادوا أن يدلوا بدلوهم، ولم كانوا ليس مسموحاً لهم أن يتصرفوا إلا ضمن حدود مرسومة جاءت آراؤهم هزيلة ومتناقضة.
والموقف الشرعي الصحيح هو أن سلمان رشدي هذا، مؤلف كتاب آيات شيطانية، يستحق القتل شرعاً، لأنه مرتد أولاً ولأنه يؤذي المسلمين ويطعن في دينهم ورسولهم وقرآنهم حسب تواتر الأخبار. فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اغتال كعب بن الأشرف اليهودي الذي كان يحرض على المسلمين بعد موقعة بدر. وأذِن لبعض الصحابة بعد غزوة الأحزاب أن يذهبوا إلى خيبر لاغتيال سَلاّم بن أبي الحُقَيْق اليهودي الذي كان يحزّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن الأفراد لا يقومون من تلقاء أنفسهم باغتيال من يرتكب هذه الجرائم إلا إذا طلب منهم أو أذن لهم أميرهم المسلم بذلك، لأننا رأينا في حالة كعب بن الأشرف أن رسول الله هو الذي أمرهم بذلك، وفي حالة سلام بن أبيّ الحقيق استأذن الصحابة رسول الله فأذن لهم، وما كانوا ليقوموا بدون استئذان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والآن بما أن الخميني أمير مسلم فإنه يجوز شرعاً لمن يعتبر الخميني أميره (وليس فقيهاً فقط) أن يقوم بقتل سلمان رشدي.
وكان الأولى بالخميني أن يرسل له من يغتاله سِراً كما فعل رسول الله ﷺ عند اغتيال إبن الأشرف أو ابن أبي الحقيق. ولكان قد فوّت على الإنجليز خطتهم ولما كان جعل من رشدي بطلاً ومن كتابه كتاباً عالمياً مشهوراً.
ونود أن نذكّر مجلس الفقه السعودي والمجلس الإسلامي الجزائري وشيخ الجامع الأزهر وغيرهم ممن تحركوا وثاروا وأدلوا بالتصريحات، نود أن نقول لهم: ألم تسمعوا أشخاصاً آخرين غير سلمان رشدي هذا اساؤوا إلى المسلمين وطعنوا في الإسلام؟ الحكام أنفسهم الذين يحكمون عندكم في السعودية أو مصر أو الجزائر أو غيرها هل يحفظون للدين حرمته أو ينتهكون هذه الحرمة؟ الدساتير والقوانين المطبقة عندكم أليست تبيح الربا وتبيح الخمور وتبيح الزنا وتبيح كل أنواع المنكرات والمحرمات؟ أليست المجالس التشريعية عندكم تهجر القرآن والسنة وتستمد التشريعات من دول الغرب ودساتير الغرب، ألستم تأخذون حضارة الغرب بقضها وقضيضها؟ ثم ألستم تسمعون في أسواقكم ومجالسكم وبيوتكم من يشتم الإسلام ويسب الله والأنبياء والقرآن مرات ومرات كل يوم؟ لماذا لم تتحركوا لما هو حاصل عندكم وهو أضعاف ما حصل من سلمان رشدي.
إنكم تحركتم فقط حين شاء الأجانب أن يحركوكم لغاية في نفوسهم. وكان الأجدر أن يكون غضبكم لله، وأن يبدأ غضبكم على الأنظمة الموجودة في بلادكم وعلى حكامكم الذين أحلوا الحرام وحرموا الحلال وأنتم تتقربون منهم وتسبحون بحمدهم. إن كل دستور من دساتيركم هو (آيات شيطانية) وكل حاكم من حكامكم هو (سلمان رشدي)، لو كنتم تبصرون.
ولنحول نظرنا الآن إلى دول الغرب. هذه الدول المغرورة بحضارتها، والتي تتباهى بالحريات. تاتشر وبوش وميتران وسائر قادة الدول الغربية من دول السوق الأوروبية إلى كند وغيرهم اعتبروا أن تهديد رشدي بالقتل هو جريمة كبرى يقطعون العلاقات من أجلها لأنها تتعارض مع حرية الكلام وتتعارض مع قيمة الإنسان.
هل حرية الكلام التي تفهمونها يا دول الغرب هي أن يقوم من شاء بالشتم والافتراء والقدم والسخرية بعقائد الناس ومقدساتهم؟ أليس الطعن بنبي المسلمين وقرآنهم اعتداءً عليهم وتحدياً لمشاعرهم؟ إنه لأهون على المسلم ألف مرة أن تصفعه أو أن تأكل ماله من أن تسب نبيه أو قرآنه. فكيف يباح ذلك في حضارتكم يا أصحاب الحضارة؟ وهل هذه حضارة أو حقارة؟
وهل صحيح أنكم تغارون على حرية الناس وتقدرون قيمة الإنسان؟ ألستم أنتم من غرر بسلمان رشدي ليكتب ما كتب ثم جعلتم من كتابه مادة مثيرة لغرض عندكم، ألستم أنتم من أيقظ الفتنة النائمة؟ ألستم أنتم كلكم يا دول الغرب أصحاب حضارة الاستعمار واستعباد الشعوب ومص دمائها؟ من أجج حرب الخليج وكان يزوّد الطرفين بالسلاح، ومن زرع دولة اليهود في فلسطين وما زال يزودها بالسلاح، وهل تجنون ثرواتكم إلا من صنع السلاح وتجارة السلاح وإشعال الحرائق في العالم كي تبقى تجارة السلاح رائجة. إن حضارة الغرب تقوم على أساس الميكيافيلية النفعية اللاأخلاقية التي تحرق بلداً من أجل إشعال سيكارة.
دول الغرب هذه تطل الآن علينا بنغمة واحدة، أجمعوا أمرهم، ليقوموا للمسلمين الذين غضبوا لدينهم وقرآنهم ورسولهم، ليقولوا لهم أنتم ما زلتم متوحشين ولا تستحقون أن تكونوا جزءاً من العالم المتمدن، العالم المتمدن يحترم الإنسان وحرية الإنسان: حرية القول والمعتقد والتصرف. فإذا شتم أحد دينكم فعليكم أن تقابلوه بروح رياضية وتقابلوا الحجة بالحجة، وإلا فلستم أهلاً إلا أن يقاطعكم العالم الحر.
]قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ[.
مجرد التهديد لشخص اعتدى على أقدس مقدسات المسلمين اعتبروه جريمة تستحق قطع العلاقات، أما أن تقتل إسرائيل فعلاً وتجرح يومياً العشرات في فلسطين فهذا لا يتنافى في نظرهم مع حرية الناس وقيمة الإنسان، إسرائيل التي تعتقل عشرات الآلاف من الأبرياء والتي تكسر عظام الأطفال، وبيغن الذي دمر لبنان عام 82 وقام بمذابح صبرا وشاتيلا، وكان طيلة عمره رئيس عصابة إجرامية، هذا أعطوه جائزة نوبل للسلام.
إن دول الغرب الآن تتوجس خيفة من عودة الإسلام إلى الحياة الدولية. إنهم مجرد رؤيتهم لبداية صحوة المسلمين ارتعدت فرائضهم، وعادوا إلى الكيد للإسلام. لم يُجْمعوا على محاربة شيء كإجماعهم على محاربة عودة الإسلام. ]وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ[. ]وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[. ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ[.
أسرة «الوعي»