المسؤولون في منظمة التحرير الفلسطينية تتوالى تصريحاتهم حول اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في دورة طارئة في الفترة (12 ـ 15) من تشرين الثاني الجاري في الجزائر.
ياسر عرفات قال: (أبرز الخيارات ثلاثة: المطالبة بوضع الأراضي التي تحتلها إسرائيل تحت انتداب دولي في إشراف الأمم المتحدة في فترة انتقالية، إعلان الاستقلال، إعلان دولة مستقلة وتأليف حكومة مؤقتة أو تأليف حكومة مؤقتة فقط).
سليم الزعنون، نائب رئيس المجلس، قال: (إن المجلس سيعلن دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وسيقرر الوقت المناسب لإعلان حكومة مؤقتة وتأليفها) وقال: (هدفنا النهائي هو عقد مؤتمر السلام الدولي الذي سيمنحنا الحق في إقامة دولتنا). وقال: (إعلان دولة مستقلة لا يحتاج إلى اعتراف، لكن إعلان حكومة مؤقتة يحتاج إلى اعتراف).
خالد الحسن، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس، قال: (اللجنة التنفيذية للمنظمة انتهت من إعداد التوصيات النهائية الثلاث التي ستعرضها على المجلس وهي:
أولاً: إعلان وثيقة استقلال الدولة الفلسطينية على الأساسين الآتيين:
1- الحق الطبيعي والتاريخي للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه الأم.
2- القرار 181 الذي تبنّته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 والذي يحدد دولتين مستقلتين عربية ويهودية ونظاماً دولياً خاصاً لمدينة القدس.
ثانياً: تحديد الخطوط السياسية التي ستلزمها حكومة مؤقتة مقبلة. وتتناول: حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، القرارين 242 و338، المؤتمر الدولي للسلام في إشراف الأمم المتحدة، مبدأ إقامة دولة فلسطينية في جوار دولة إسرائيل، مشروع الكونفدرالية بين الدولة الفلسطينية والأردن، حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، قضية الإرهاب واختلافه عن النضال من أجل التحرير الوطني.
ثالثاً: تكليف المجلس المركزي للمنظمة واللجنة التنفيذية تأليف حكومة مؤقتة في الوقت الذي يريانه مناسباً، علماً أن هذه الحكومة ستضع برنامجاً سياسياً منبثقاً من الخطوط السياسية المشار إليها في التوصية الثانية).
بسام أبو شريف، مستشار عرفات قال: (إن إعلانا الدولة المستقلة سيتم في 15 تشرين الثاني وسيصبح هذا التاريخ «عيد الاستقلال الوطني» للفلسطينيين).
حين صدر قرار تقسيم فلسطين رقم 181 سنة 1947 كان من يقبل به يعد خائناً. وحين صدر قرار 242 سنة 1967 كان مرفوضاً وكذلك حين صدر قرار 338 سنة 1973. وكان شعار (ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)، وكان شعار اللاءات (لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات)، وكان شعار (تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر)، وكانت عبارات (نعاهد الشهداء على الاستمرار في طريق الشهادة، ولن نخون دماءهم، ولن نفرّط في القضية)، وكانت أشياء كثيرة، ولكن الناس ينسون أو يتناسون.
أيها المسلمون، أيها العرب، أيها الفلسطينيون، قولوا لهؤلاء الذاهبين إلى الجزائر لينتهكوا المحرمات وليرتكبوا جريمة العصر: رويدكم، أما تعقلون، أما تخجلون، أما تتقون! هناك عقاب في الآخرة وهناك عقاب في الدنيا. والفدائي الذي يضحي بنفسه لإزالة دولة اليهود يعرف كيف يعمل لإزالة من يعترف بدولة اليهود.
حاول عرفات إرسال فدائيين ليقوموا بعملية أخذ رهائن من اليهود، ولكنهم اعتقلوا في كفر كلا قبل إنجاز مهمتهم. هؤلاء الفدائيين أبطال يجودون بأرواحهم، ولكن عرفات يأمر بإرسالهم لا من أجل فلسطين بل من أجل إشغال الناس بعملية فدائية أثناء ارتكابه خيانة الاعتراف بدولة اليهود، ليصرف وسائل الإعلام عن فعلته ويستر بها عيبه.
إنهم يستعملون الكلمات الرنانة ليوهموا الناس أنهم حققوا الأهداف، إنهم يقولون: إعلان الاستقلال، إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، عيد الاستقلال الوطني للفلسطينيين،
وما مِثْلُهُ إلاّ كفارغ بُنْدُقٍ
خَلِيٍّ مِنَ المعنى ولكنْ يفرقعُ
وليت كلامهم كان خالياً من المعنى، ولم يكن ملغوماً بالخيانات.
في التوصية الأولى، كما ذكرها خالد الحسن، سيعلنون الدولة المستقلة على أساس قرار 181 الذي يعترف بدولة اليهود وبتدويل القدس. وفي التوصية الثانية هناك تحديد للخطوط السياسية التي سيلتزمونها ومنها قرار 242 الذي يقول بحدود آمنة ومعترف بها لدولة اليهود، وتكرر التوصية إقامة دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل.
أميركا والدول العربية العميلة لأميركا والدول الأوروبية أقنعت منظمة التحرير بضرورة الاعتراف الصريح بإسرائيل من أجل أن تقبل إسرائيل الجلوس مع المنظمة في المؤتمر الدولي.
وزير خارجية إيطاليا، اندريوتي، يقول: بأن عرفات طلب منه أن يسعى لدى حكام إسرائيل من أجل تأمين الاعتراف المتبادل، ويقول اندريوتي: بأنه ذهب إلى فلسطين وقابل شامير وبيريز وبحث معهما المسألة، ويقول بأن عرفات مستعد من جانبه بالاعتراف، ويقول بأنه يجب على المنظمة أن تلغى من ميثاقها العبارات التي يُشتَمُّ منها رفض الاعتراف بإسرائيل.
إن التوصيات الثلاث، كما ذكرها خالد الحسن، والتي أعدتها المنظمة، والتي دعت المجلس الوطني الفلسطيني في دورة طارئة من أجل إقرارها، هذه التوصيات صيغت لتلبي غرضاً واحداً وهو الاعتراف الصريح بدولة إسرائيل وحقها في الوجود ضمن حدود آمنة. هذا الاعتراف لا يكفي أن يأتي من عرفات ومن أعضاء اللجنة التنفيذية ومن قادة التنظيمات، بل لا بد أن يصدر عن المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل الشعب الفلسطيني.
إن قول بعض المسؤولين بأنهم لن يعترفوا بإسرائيل إلا إذا اعترفت بالمنظمة هو للتضليل. وقد سبق للمنظمة وللمجلس الوطني الفلسطيني أن اعترفوا بمقررات فاس كما اعترفت سائر الدول العربية. ومقررات فاس تشكل اعترافاً كاملاً بدولة إسرائيل، ولكن اليهود، المطبوعين على المماطلة، لم يكتفوا بمقررات فاس واعتبروها غير صريحة بشكل كاف. فطُلب من منظمة التحرير اعتراف صريح، فكانت التوصيات الثلاث المذكورة. فهل سيقبل المجلس الوطني بارتكاب جريمة الاعتراف؟!
وعلى فرض أن هذا المجلس سقط واعترف، ماذا سيكون الثمن الذي تحصل عليه المنظمة ويحصل عليه الفلسطينيون مقابل اعترافهم؟
الأمر المعلن هو أنهم سيعترفون مقابل وعد من أميركا بأنها ستضغط على إسرائيل لأن تعترف بالمنظمة كمفاوض، إذ أن أميركا التزمت من أيام كينسجر بأن لا تعترف بالمنظمة وتجلس معها علناً إلا إذا اعترفت المنظمة بدولة إسرائيل علناً. فإذا أصدر المجلس الوطني الفلسطيني الآن ميثاقاً جديداً (بقبوله التوصيات الثلاث) يكون قد ألغى الميثاق السابق المرفوض من أميركا وإسرائيل، ويكون هذا الميثاق الجديد مقبولاً من أميركا، وتصبح الكرة في مرمى أميركا، وستحاول أميركا عند ئدٍ للضغط على اليهود بالجلوس مع المنظمة للتفاوض بدون شروط مسبقة، تكون أميركا قد وفت بتعهدها للمنظمة، وتكون المنظمة قد أخذت ثمن تخليها عن ميثاقها واعترافها الصريح بإسرائيل، هذا الثمن ليس دول فلسطينية، وليس قطعة أرض، بل هو مجرد الجلوس على طاولة واحدة مع اليهود، ويتبع الجلوس مفاوضات غير مشروطة وتتشبث إسرائيل بموقفها، وهو أنها لا تسمح بأكثر من الحكم الذاتي المذكور في اتفاقات كمب ديفيد، فتفشل المفاوضات وبذهب كل طرف إلى جهة، وتعود المنظمة إلى الصفر بعد أن تكون قد أعطت كل شيء، ولم تأخذ أي شيء اللهم إلا الجلوس مع اليهود على طاولة واحدة ليرتشفوا القهوة أو الويسكي، ويتجاذبوا شيئاً من أطراف الحديث.
هذه هي الثمرة التي تذهب المنظمة ومعها المجلس لقطفها. ومنْ يعش يَرَ.
إسرائيل لن تتراجع عن شبر واحد غربي نهر الأردن عن طريق المفاوضات. لن تتراجع إلا أمام القتال الماحق بالسلاح، وليس بالحجارة فقط.
إنهم يخدعون الانتفاضة بترديد كلمات الاستقلال والدولة المستقلة، ويُمنون أهل الضفة وقطاع غزة بوضع هذه المناطق تحت إشراف دولي مؤقت، يتحول إلى استقلال تام فيما بعد.
أنتم مخدوعون يا رجال المنظمة، وأنتم لستم سياسيين، أنتم لم تعرفوا اليهود حتى الآن ولم تعرفوا وعود أميركا. اقرأوا تاريخ اليهود وبرتوكولاتهم، واقرأوا القرآن، واقرأوا الواقع، وأزيلوا الغشاوات عن أعينكم.
ولنفرض أنكم أعلنتم في 15 تشرين الثاني الاستقلال في الضفة والقطاع. كيف سيكون هذا الإعلان؟ إنه سيكون مجرد تلاوة بيان من الجزائر يذهب أدراج الرياح، أما على ارض الواقع فليس عندكم أكثر من الانتفاضة التي مضى عليها قرابة السنة. هذه الانتفاضة التي بدأت طاهرة نقية إسلامية، فضللتموها وحرفتموها عن خطها المستقيم وسخرتموها أداة ضغط من أجل أن تعترفوا بإسرائيل، وستنال إسرائيل اعترافكم، ثم تهيل عليكم دلو ماء بارد. وستقتلون الأمل الذي يغلي في صدور شباب الانتفاضة، هؤلاء الشباب سيعرفون بعد حين أن حجارتهم كان أحرى بها أن ترجمكم أنتم قبل اليهود.
لن نعترف بدولية ضمن حدود ما قبل 67، ولن نعترف بها ضمن حدود تل أبيب أو ضمن شبر واحد.
إذا كنا لا نستطيع الآن أن نزيل دولة اليهود، فإنا نستعد ونترك المهمة لمن بعدنا، ولا نتنازل عنها لأننا الآن ضعفاء، ولا نفرط ولا نرتكب الخيانات.
أرض فلسطين هي أرض إسلامية فتحها المسلون، وصار الحكم الشرعي في حقها أنها أرض خراج إسلامية، ولا يملك أهلها أن يتنازلوا عنها لدولة اليهود أو غيرها.
المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين وهو مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الأرض المقدسة التي بارك الله حولها، وتأتي هذه المنظمة الآن ويأتي معها هذا المجلس الذي يسمّونه وطنياً ليجعلوا منه منطقة مدوّلة حسب قرار 181.
اللهم رُدّ هؤلاء عن غوايتهم وألْهمهم الرشد بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير.
أسرة «الوعي»