فكر إسلامي (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا) هل اقترب نصر الله
1988/07/04م
المقالات
2,453 زيارة
بقلم: مراسل الوعي في باكستان
اختلف الناس وامتزجت الآراء حول إمكانية عودة الإسلام إلى واقع الحياة وعودة الحكم بما أنزل الله وعودة الخلافة الراشدة، فبين متشدد متشائم يرى أن العَود بعيد وأن العهد طويل، وبين متفائل ينتظر كل صباح ومساء قيام دولة الإسلام وعودة الخلافة الراشدة. فَمَن مِن هؤلاء المحق ومن المخطئ؟ ومن الذي ينظر إلى الأمور النظر الحقيقية؟
|
إن مثل هذا الحكم لا يمكن أن يجزم به العقل البشري لأن عقولنا لا تحكم إلا على ما ترى، أي أنها تتعامل مع وقائع جارية، وعودة الإسلام وعودة الخلافة أمر تكفل به الله جلت قدرته فقال عز من قائل: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا).
فالنصر من عند الله، بيده وقته وزمانه ومكانه، ولا يمكن لبشر مهما كان خارق القوة العقلية أن يحدد وقتاً أو مكاناً سيأتي فيه النصر، فهذا لا يمكن إلا لنبي يوحى إليه، وانتهت عهود النبوة بخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.
وطالما أن عهد النبوة انتهى، فلماذا لا ننظر في آيات كتاب الله وفي أحاديث رسول الله، فلعلها ترشدنا إلى ملامح تلك المرحلة وتعطينا مقياساً لمثل هذه الأمور.
إن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لترسخ الثقة بوعد الله أيما ترسيخ فتبعث الثقة في النفس أن نصر الله آت لا ريب فيه مهما اشتدت الخطوب، وازدادت المحن، ومهما دارت على المسلمين الدوائر.
لقد سربلت الأمة بلباس الخوف، ولقد ران عليها الوهن، وظنت أن حكم الطغاة لها لا مفر منه، ولكنها لو أنعمت نظرها في كتاب الله وسنة رسوله لعادت ثقتها بأن نصر الله آت، ولتفجرت كبركان ثائر محكمة الكفر وأنظمته وأفكاره، ولعملت بكل جهد لإعادة السيادة لشرع الله في الأرض، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، لتعود الخلافة تظلل الناس في الأرض: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون» وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس» وفي رواية للبخاري حيث زاد قال معاذ: «وهم بالشام».
والآية عامة ووعد الله فيها بالاستخلاف والتمكين والأمن ليس خاصاً بالصحابة، وإنما هو وعد عام من الله سبحانه وتعالى لجميع الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأفردوا الله بالعبادة ولم يشركوا معه أحداً من خلقه، ولا شيئاً من مخلوقاته، أن يستخلفهم في الأرض، يتصرفون فيها تصرف الحكام، وأن يثبت لهم الإسلام الذي ارتضاه لهم، وأن يجعل لهم السيادة في الأرض على كل ما عداه من الأديان والأفكار والمبادئ، وأن يبدلهم من بعد الخوف الذي سيطر عليهم من ظلم الطواغيت ـ أمناً وسكينة برفع الظلم عنهم، وتحقيق النصر لهم والغلبة على عدوهم.
والآية موجهة إلى جماعة وليس إلى أفراد، وكذلك الأحاديث، فإنها متعلقة بطائفة أي بجماعة قائمين بأمر الله متكلين عليه، حاملين لدعوة الله، عاملين لجعل الحكم بما أنزل الله هو المسيطر، صابرين على ما يصيبهم في سبيل الله ذلك من لأواء وعنت وظلم وتعذيب ومجاعة وإخافة وقطع أرزاق وأعناق ـ لا يخشون في الله لومة لائم، ولا يضرهم من خالفهم فيما يحملون، ولا من خذلهم ممن كان معهم، أو كان من أمتهم، لأن قوتهم بالله، واعتمادهم عليه، منه يستمدون القوة والعون، ومنه ينتظرون التأييد والنصر.
إن الصحابة رضوان الله عليهم قد نالوا ما نالوا من الفضل لأنهم استجابوا لأمر الله وأخلصوا له النية، وبذلوا نفوسهم وأموالهم في سبيل الله إعلاء كلمة الله، وأقاموا مع رسول الله دولة الإسلام، ووطدوا أركانها مع خلفائه من بعده، على أنقاض الجاهلية وأنقاض دول الكفر، وعلى أنقاض أعتى دولتين في ذلك العصر فارس والروم، فاستحقوا هذا الفضل العظيم.
ونحن كأبناء لهذه الأمة وقد أكرمنا الله بالإسلام فما علينا إلا حمل دعوته والعمل لإعادة الحكم بالإسلام وإقامة دولة الخلافة لتخليص الأمة أفكار الكفر وأنظمته وأحكامه، ولتقويض هذه الكيانات الكرتونية الكافرة القائمة في العالم الإسلامي لتوحيدها في دولة واحدة، هي دولة الخلافة، فحتى ننال كما نال الصحابة من الأجر والفضل، يجب علينا أن نصدق الله العهد ونخلص له النية، وأن لا نخشى غيره ولا نخضع لسواه، وأن نؤمن به إيماناً ثابتاً عن يقين أنه وحده الخالق والرازق والمحي والمميت والمعز والمذل، وأنه وحده مانح النصر، وأنه على كل شيء قدير، وأن أياً منا لن يموت قبل أن يستوفي أجله ورزقه وما قدر له.
فمن نظر بتشاؤم ووضع خططه على أن نصر الله لن يأتي قبل خمسين أو مئة أو عشرات السنين نسي أو تناسى أن الله وعد بالنصر: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وقال: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ) فلعلي به أرد أن يجد عذراً لنفسه ليمتنع عن أداء واجبه تجاه ربه وأمته، ولعلي به قد قصر نظره فلم يعد يرى غير نفسه ويظن أنه مرآة الأمة، فهو قد تقاعس وركن إلى الأرض واقنع نفسه بأن العمل لا يجدي وكل من على وجه الأرض أسوأ منه حالاً ونسي أو تناسى ما وصلت إليه الأمة من قناعة بأن لا خلاص لها إلا بالإسلام وأن لا منقذ لها إلا بعودة الحكم بما أنزل الله، وأصبح أبناؤها يعملون بجد وجهد كل يوم وكل ساعة لتخليص أمتهم متوكلين على الله واثقين بنصره.
فإلى هؤلاء المتشائمين الكسالى نقول: ليتقوا الله وليحسنوا الظن به، وليرتفعوا بنفوسهم إلى المعالي وليتركوا التصاقهم بالأرض فما التصق أحد بالأرض وركن إلى الدنيا إلا زادته انحطاطاً وقذفت به إلى أسفل سافلين. أفنرضى وقد أكرمنا الله بأرقى فكر وأرقى مبدأ أن نتخلى عنه أجل حفنة من مال أو خوفاً من عذاب الناس والله تعالى يقول: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ).
أما ذلك المتفائل الذي يجلس في بيته يظهر أن قيامة بالصلاة وصومه وزكاته تكفي لأن ينزل الله عليه النصر على طبق من فضة بل من ذهب، وكأني به أعتبر نفسه متجملاً على الله بأدائه العبادة، فأصبح يشترط على الله أن يحل كل مشاكله ويبدل حاله بقوله كن فيكون، ونسي أو تناسى أن الله جعل لكل شيء سبباً، فاقتضى أن يقوم بالأسباب حتى يحصل المسبَّب، فمن عبد الله يوماً كاملاً فلن يحصل على قوت يومه بعبادته هذه بل لا بد من طرق أسباب الحياة حتى يحصل على قوت يومه.
فيا أبناء أمتنا إن الخلافة الراشدة وإعادة سيادة الإسلام إلى الأرض ليست «كالمال تأتي وتروح» بل تستأهل التضحية بكل غال ونفيس وتستحق الصبر والمصابرة، وتحمل الشدة والإيذاء، والعسر والزلزلة والابتلاء في الأنفس والأموال والأولاد، فهذه سنة الله في خلقه، قال تعالى: (الم @ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ @ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) وقال واصفاً ما نال الرسل ومن آمن معهم من البلاء والشدة والزلزلة وما وصلوا إليه من حالة: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).
وهذا ما حصل مع رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه فقد وقع عليهم من البلاء والشدة الشيء الكثير حتى فزعوا إلى رسول الله طالبين منه أن يستنصر لهم، وأن يدعو لهم ليرفع ما وقع عليهم من شدة البلاء، كما روى البخاري عن الخباب بن الأرت قال: «قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا، فقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه، فيخلص فيه إلى قدمه لا يصرفه ذلك عن دينه. ثم قال: والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون». فالفرج والنصر يا أبناء أمتنا لا يأتيان إلا بعد الشدة والبلاء والعسر الشديد والزلزلة والاستيئاس، فاصبروا وصابروا، اصبروا صبر المؤمنين على الاستمرار في حمل الدعوة وتمسكوا بالدعوة الإسلام تمسككم بأعز ما تملكون بل أكثر من ذلك، فلتكن الدعوة أهم من كل ما في الدنيا، ولا يلفتنكم عن ذلك مشاقها وما سينالكم في سبيلها من شدة وبلاء، واحملوا أنفسكم على الصبر وخوض الغمرات، وليكن اللهُ ورسولهُ أحبَّ إليكم مما سواهما، وراقبوا الله في السر والعلن، ولا تخالفوا له أمراً ولا تجعلوا الله عليكم حجة واحملوا دعوته لتحققوا إقامة الخلافة والحكم بما أنزل الله.
ورددوا دوماً دعاء جعفر الصادق: “اللهم إنا نسألك دولة إسلامية كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها الكفر والطغيان وأهله، واجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك ومن القادة إلى سبيلك، وارزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة إنك على ما تشاء قدير، وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين”
1988-07-04