مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) )
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
من هذه الآيات يتبين ما يلي:
-
يذكِّر الله يهود بما أخذه عليهم من ميثاق ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85). )
-
فلما لم يلتزموا بتنفيذ ما أخذ الله عليهم، رفع الله سبحانه الطور – الجبل – فوقهم كالسحابة تخويفا لهم حتى يؤمنوا ويأخذوا ما آتاهم الله من التوراة وما فيها من أوامر ونواهٍ بجد واجتهاد كي يتقوا الله أو ليوقعنّه الله عليهم فأقروا بذلك وآمنوا.
وقد كان رفع الطور فوقهم بعد ما نقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم بدلالة قوله سبحانه في آية أخرى ( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ ) النساء/أية154 أي بسبب نقضهم ميثاقهم.
-
لكنهم عادوا وأعـرضـوا عن الالتزام بما واثقوا الله عليه، وهنا يذكّرهم الله سبحانه بمزيد نعمه على من فعلوا ذلك من أسلاف المخاطبين وأنه سبحانه ذو فضل عليهم ورحمة بقبول توبتهم بعد نقضهم الميثاق ورفع الطور فوقهم، ولولا رحمة الله وقبول توبتهم لكانوا من الخاسرين.
-
ثم يذكّرهم سبحانه باعتدائهم في السبت أي بتجاوزهم حدود الله، فقد حرّم الله عليهم الصيد يوم السبت ثم ابتلاهم بكثرة الصيد (الحيتان) في ذلك اليوم فكانوا يتحايلون على صيده يوم السبت بفتح حفرة من الماء أو بأية وسيلة أخرى ويبقى الحوت فيها إلى الأحد ويذهبون ويأخذونه ( إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ ) الأعراف/آية163 وعلى إثر ذلك عاقبهم الله بأن مسخهم قردة وجعلهم ( خَاسِئِينَ ) أي مبعدين من الخير أذلة صاغرين.
-
وكان ذلك المسخ عقوبة ( نَكَالًا ) لهم على ما اقترفوه من تجاوز لحدود الله فيما سبق ( لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ) وكذلك عقوبة لما يأتي من بعد (ﮛ ﮜ) والعقوبة هنا لما بعدها تعني عظة وعبرة لما بعدها فلا يفعلوا مثلها حتى لا يصيبهم مثل عقوبتهم – أي المسخ – وهذا نحو قوله سبحانه ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) البقرة/آية179 أي أن عقوبة القصاص تحيي الآخرين لأنهم سيمتنعون عن القتل حتى لا يُقتلوا، وهنا كذلك فهذا المسخ كأنه عقوبة لمن سيأتي من بعد لو فعل نفس الفعلة، ولذلك فهو يعتبر ويتعظ ولا يتجاوز الحدود فلا يُمسخ، فالعقوبة لما خلفها هي استعمال مجازي أي عظة وعبرة لما خلفها، والعلاقة هنا (السببية) لأن العظة والعبرة مسبَّبة عن عقوبة المسخ المذكورة.