ما زال في جيوش الأمة الإسلامية
خير كثير، والأمة تتطلع إليهم
قال تعالى: ﴿إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡٔٗاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ٣٩ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ ﴾
إن المتتبع لأحوال أمته ليتساءل عن دور ومهام الجيوش في بلاد المسلمين والتي منها، إضافة إلى الجهاد، وهو وظيفتها الأساسية، توفير الأمن وحفظ الرعية من أي اعتداء. وأمام ما يواجهه المسلمون اليوم من مآسٍ تملأ صفحاتها كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، العادية والإلكترونية، ويسرح في ملعبها مجرموها من ذئاب الغرب وثعالب حكام المنطقة… أمام كل ذلك ليتساءل الواحد منا: أين هذه الجيوش من وظيفتها؟! ولماذا تقعد عن القيام بدورها؟! ولماذا تسكت عن الجرائم المهولة التي تطال أمتها وحتى أهلها؟!… بل أكثر من ذلك أصبحنا نرى أن هذه الجيوش مقبوض عليها بقبضة حديدية من حكام المسلمين ومن قادة عسكريين مرهونين مثلهم مثل الحكام للغرب؛ ومن هنا تحولت مهمتهم إلى ما نراه اليوم من مشاركة لهم في ضرب الأمة، وضرب توجهها نحو الانعتاق من الغرب والإمساك بقرارها، ومنع الأمة من إقامة شرع ربها عليها… ولذلك وجدنا أن هذه الجيوش بأمر من الغرب وبتنسيق مع حكام المنطقة تدخل في تحالفات عسكرية ظاهرها محاربة الإرهاب، وحقيقتها محاربة الإسلام، ومنع عودته إلى مسرح السياسة الدولية؛وبذلك لم يعد دور الجيوش بحسب ما يأمر به الإسلام، بل أصبح بحسب ما يأمر به الغرب، وكان الحكام في هذه اللعبة الجهنمية هم رأس الحربة السامة وحلقة الوصل، فهم الذين يأتمرون بأوامر الغرب وبالتالي يأمرون قادة هذه الجيوش بأمره، هذا إن لم يكن هؤلاء القادة العسكريون القابضون على الأمر فيه هم عملاء مباشرين للغرب، يأخذون أوامرهم مباشرة من السفارات. والجدير ذكره هنا، هو أن الحكام العملاء للغرب مع وسطهم السياسي لا يشكلون عدديًا سوى نسبة لا تذكر من الأمة، كما لا يشكل القادة العسكريون إلا مثل هذه النسبة في الجيوش إن لم يكن أقل.
وهنا نتسائل، ويتساءل معنا الكثير، بكل أسف، ونوجه أسئلتنا لكل فرد في هذه الجيوش، ضباطًا وأفرادًا؛ لأن المفترض فيهم أنهم من أبناء المسلمين، أبناء الفاتحين، نتساءل: ألستم جيشًا للدفاع عن هذه الأمة وعقيدتها؟! ألستم تنتمون إلى أمة الإسلام، وتعتقدون بعقيدة التوحيد وتعبدون ربًا واحدًا، ولكم كتاب واحد، وتتأسَّون بنبيٍّ واحد، وتولُّون وجوهكم نحو قبلة واحدة؟! ألستم مع أمتكم، سلمكم واحدة، وحربكم واحدة؟! فأين أنتم من قضايا الأمة المصيرية، أليست قضاياكم؟! وأين أنتم من حروب يهود على المسلمين؟! وأين أنتم من مذابح الشام؟! وأين أنتم من ظلم هؤلاء الحكام الواقع على أمتكم في كل بلاد المسلمين؟! بل أين أنتم من قضية قضايا المسلمين، ألا وهي أن تكونوا قوة نصرة لإقامة هذا الدين بإقامة الخلافة الراشدة الثانية، على غرار ما قام به أمثالكم من أهل القوة والمنعة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما آووه ونصروه وعزَّروه واتبعوا النور الذي أنزل معه في المدينة؛ فسمَّاهم الله سبحانه وتعالى لذلك بأشرف الأوصاف، سماهم الأنصار، ورضي عنهم وعن المهاجرين، وأخبر أنه سيرضى عمن يتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. قال تعالى: (وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ١٠٠). ألا تعلمون أن الإسلام يوجب على المسلم نصرة أخيه المسلم والفرح لفرحه والتألُّم لمصابه، ألم تقرؤوا قوله تعالى: وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ٧٥)؟ ألم تتدبروا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؟ ألم يبلغكم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه»؟ وقوله عليه الصلاة والسلام: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم»؟ ألم تقرؤوا سيرة جيوش المسلمين الأوائل وقادتهم؟ ألا تتشوَّقون لمثل بطولاتهم؟! ألا تحبون أن تكونوا على سيرتهم؟!… أم أن قياداتكم العسكرية أبدلت أهدافكم، وفصلتكم عن أمتكم، وحصرتكم في ثكناتكم، وجعلتكم تأتمرون بأمرها ولو ضد أبناء أمتكم، وضد دينكم؟!… وأخيرًا وليس آخرًا: أين دور العلماء في توعية الجيوش على دورها ومهماتها الشرعية.
لقد تناول علماء المسلمين والحركات الإسلامية دور جيوش المسلمين ومهماتها تناولًا مختلفًا، فالكثرة الكاثرة منهم لم يأتوا على ذكر المهمات الشرعية للجيوش لا من قريب ولا من بعيد، وكأن هذه الجيوش غير مكلفة بأي تكليف شرعي لنصرة دينها… وهناك فئة أوجبت على أفراد هذه الجيوش طاعة الحكام العملاء للغرب على اعتبار أنهم أولياء أمور المسلمين ولا تجوز معصيتهم، وبالتالي الخروج عليهم… وهناك فئة تناولتهم بشكل سلبي كليًا، فسلطت عليهم سيف التكفير ملحقين إياهم بتكفيرهم للحكام، وخاضوا في ذلك مخاضًا عسيراً أزهقوا فيه أرواح من يستحقون في نظرهم ومن لا يستحقون من المسلمين… وهناك فئة نظرت إلى أفراد الجيوش أنهم بعامتهم مسلمون، وهم جزء من الأمة لا يختلفون عنها بحال، وحددت أن على الجيوش، وخاصة ضباطها من أهل القوة فيها، نصرة دينها، وراحت تتصل بهم لهذه المهمة، تطلب منهم ما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يطلبه من أهل القوة في القبائل مشترطًا عليهم الإيمان والنصرة، من أجل أن يقيم دولة الإسلام الأولى فيهم، فكان أن استجاب لهذا الأمر أهل القوة في المدينة، والمسألة الآن تدور حول هذا الواجب الشرعي نفسه؛ لذلك كانت هذه الفئة من أبعد الفئات عن تكفير الجيوش، وعن تعطيل دورها الشرعي بنصرة هذا الدين، وكذلك أبعد ما تكون عن تزوير الدور الشرعي لهذه الجيوش عندما أُمرت بطاعة الحكام العملاء للغرب وأنهم ولاة أمر! بل إن هذه الفئة أحيت حكمًا من أحكام الله المتعلقة بهذه الجيوش، ألا وهو نصرة هذا الدين لإقامة دولة الخلافة الراشدة.
إن هذه المواقف المختلفة لعلماء المسلمين ظاهر فيها البطلان، وعدم استنادها إلى الشرع، إلا الموقف الشرعي الذي يطلب منهم أن يكونوا أهل نصرة وجهاد… أما سائر المواقف فهي لم تقم على اجتهاد شرعي، وإنما كانت أهواء حكام وأهواء علماء. فالعلماء الذين لم يتناولوا هذا الموضوع البتة فإنما لأنهم جبناء يخافون على أنفسهم إن هم تكلموا به، وهؤلاء نسوا الميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى عليهم، أن يقولوا الحق أينما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم. وأما العلماء الذين أفتوا بطاعة الحكام باعتبارهم ولاة أمر، فهؤلاء تغافلوا عن أن الطاعة إنما هي طاعة بالمعروف وليست طاعة على المنكر، وتغافلوا عن أن هؤلاء الحكام هم عملاء، ورائحة عمالتهم النتنة تفوح بكل الأرجاء، وتغافلوا عن أن هؤلاء الحكام لا يحكمون بالإسلام، ولا ينصرون قضايا المسلمين، وإنما ديدنهم تحقيق مصالح أسيادهم، والمشاركة في مؤتمرات الغرب الخيانية، والدخول في أحلافه العسكرية والسياسية، ويحاربون معه مشروع نهضة الأمة المتمثل بإقامة الخلافة الإسلامية التي يأمر الله بإقامتها. وأما العلماء الذين أفتوا بتكفير الجيوش، فقد أبعدوا النجعة حين غاصوا بدماء المسلمين بشكل غير شرعي ومتهور، وأورثوا المسلمين أوضاعًا في غاية الصعوبة، وعليه فإن ما على أهل القوة من الضباط في الجيوش، وعلى من يملك التأثير عليهم أن يميزوا بين هذه المواقف، أيُّها الشرعي منها، وأيُّها غير الشرعي…
وأمام هذه المواقف المختلفة لعلماء المسلمين وحركاتهم تجاه الجيوش في بلاد المسلمين، رأينا أن الحكام عملوا على الاستفادة من موقف العلماء هذا؛ حيث أمِنوا من مواقف الذين لم يتناولوا هذا الموضوع كلية، واستفادوا من مواقف العلماء الذين أفتوا بوجوب طاعة الحكام مهما كانت بحجة أن الله سبحانه وتعالى سائلهم عما استرعاهم، استفادوا منهم بتوريط الجيوش بأهداف لا تمتُّ إلى الإسلام بصلة، بل كانت في كثير من الأحيان ضد الإسلام والمسلمين وضد مشروعهم الذي يدعو إلى إقامة شرع الله في الأرض. واستغلوا موقف العلماء الذين كفَّروهم وكفَّروا الجيوش، أفرادًا وضباطًا، في استعداء هؤلاء الضباط، والعمل على ضربهم، وتشويه صورة الإسلام من خلال تصرفاتهم، وراحوا يعملون على تحويل الرأي العام عند المسلمين ضد المشروع الإسلامي باعتبار أن هؤلاء يطالبون بتحكيم شرع الله على هذه الصورة السيئة. بقي الموقف الشرعي الصحيح الذي تبنى أن أفراد الجيوش هم مسلمون، مثلهم مثل سائر أفراد الأمة، وأن أهل القوة في هذه الجيوش يجب أن يكونوا أهل نصرة، وراحت تتصل بهم لهذه المهمة. هؤلاء سلَّط عليهم الحكام وعلى أهل القوة من الضباط عامةً أجهزة مخابراتهم، وراحت تحصي أنفاسهم، وتقوم بدراسة أحوالهم؛ فتقدم من تطمئن إليه وتؤخر من لا تثق به، وتهدد بالاعتقال والتعذيب والتسريح لمن يستجيب لهذه الفئة، متهمةً من تقبض عليه منهم بتهديد أمن الدولة، وتشكيل خطر على السلم الأهلي، وتحكم عليهم بأحكام قضائية جائرة، لا سند لها حتى في قوانينهم.
إن المدقق في حال جيوش الأمة اليوم يجد أنها منذ أول تشكيلها أنشئت على عين بصيرة من دول الغرب الكافرة المستعمرة؛ أنشئت لتكون رديفًا لعملائهم من الحكام، ولتفرض بواسطتهما سياستها وتحقق بهما مصالحها وأهدافها في المنطقة، وتبقي على الأمة في حالة هزيمة دائمة. فاهتمام الكافر المستعمر ببناء الجيوش لم يكن بعيدًا عن تحقيق أهدافه، بل كان مدركًا إدراكًا واضحًا مدى أهمية الجيوش للدول العميلة له، ودورها العظيم في تنفيذ المهام الخاصة به. فالمدقق في أحوال جيوش المسلمين اليوم، يجد أن هناك مهمات كثيرة قد أوكلت لهذه الجيوش، ويحرص قادتها على تحقيقها والمحافظة عليها، وهي محل شك وريبة واتهام، ومنها:
– الحفاظ على أنظمة الحكم العميلة للغرب، ومنع تغييرها، والسير معها في تنفيذ أجندات الغرب المشبوهة.
– منع أي توجه أو عمل إسلامي يستهدف استئناف حياة إسلامية باقامة خلافة راشدة.
– منع أي توجه لتوحيد الأمة تحت قيادة مخلصة واحدة وفي دولة واحدة، وبالتالي المحافظه على حدود سايكس بيكو.
– ضمان مصالح الغرب الكافر الاستعمارية في بلاد الاسلام والحفاظ عليها وحمايتها.
– القبول بما يمليه عليها الغرب من تقديم خدمات خمس نجوم له، والاعتراف بكيان يهود طبيعيًا في المنطقة.
– القيام بمهام المرتزقة وتنفيذ المهام التي توكل إليهم داخل وخارج الدولة بما يخدم مصالح الغرب الكافر.
وبهذه المهمات يرى الواحد منا كيف أن الحكام وقادة الجيوش هما توأم عمالة، يكملان بعضهما، ويرى أن الأمة وعامة الجيوش، ضباطًا وأفرادًا، هم مرمى السهام، وهم الضحية.
ولأهمية المؤسسة العسكرية كذلك فقد اتبعت دول الغرب سياسة معينة للسيطرة على هذه المؤسسة، ويمكن من خلالها ملاحظة ما يلي :
– وجود اندماج كامل بين النظام السياسي والمؤسسة العسكريّة للدولة الخارجية التابعين لها، وكم نرى من الأنظمة الحاكمة أنها أنظمة حكم عسكرية، خلع حاكمها بزته العسكرية فقط، ولكن بقيت ذهنيته العسكرية الأمنية القمعية يحكم بها… أو يكون نظام الحكم المدني ظلًا للمؤسسة العسكرية التي تتحكم بسياسة الدولة؛ ما يؤدي إلى استيلاء العسكر على صناعة القرار السياسي وتعيينهم للسياسيين الذين يتولون مناصب سياسيّة أو ديبلوماسيّة.
– وجود رؤساء بخلفية عسكرية تخرجوا من رحم المؤسسة العسكريّة، تخرجوا من أرقى الأكاديميّات العسكريّة الغربية؛ حيث صنعهم الغرب هناك على عينه؛ وإنك لترى أن بعضهم يجيدون اللغة الإنجليزية والفرنسية أكثر من اللغة العربية.
– وجود ميزانية لبعض المؤسسّات العسكريّة من أكبر ميزانيات مؤسسات الدولة. وتتمتع باستقلالية مادية خطيرة
– جعل استراتيجة المؤسسة العسكرية تقوم على إضعاف المؤسسات الأخرى والتيارات السياسيّة لتبقى هي الأقوى والأوحد.
– إفساد كبار جنرالات الجيش ليسهل التأثير عليهم وترويضهم، والسير معهم في مخططاتهم الخيانية.
– تحويل قسم كبير من أفراد الجيوش إلى خدم للقادة والضباط الكبار يحرسون الجنرالات وزوجاتهم وأولادهم حتى وعشيقاتهم، وينظفّون حمّاماتهم ويطبخون لهم، ويغرسون حدائقهم، ويسوقون سياراتهم…
– تسليط الأجهزة الأمنية على رقاب الجيوش وقادتها وإحصاء أنفاسهم؛ من أجل أن تجعلها مطواعة للقرارات الخيانية التي تتخذها أنظمة الحكم العميلة، ومن أجل تحويل دورها الحامي للمسلمين ولدينهم إلى التسلط على رقاب الناس، وخوض حروب الحدود بين المسلمين.
والغرب من أجل تحقيق كل هذا، قام بخطوات عملية، ليقبض على المؤسسة العسكرية بقوة، وعلى عين بصيرة، ومن هذه الخطوات:
– إعداد وتثقيف الجندي بعقيدة عسكرية تتفق مع الأهداف التي وضعها الغرب الكافر المستعمر لتحقيق أهدافه، والتي هي بعيدة كل البعد عن الإسلام.
– تنظيفها من كل مخلص، والتخلص من معنى الرجولية لدي أفرادها ضباطًا وأفرادًا. وتحويلها إلى ما يقرب من معنى الوظيفة، وتجريدها من معنى الجهاد. وقتل الروح الجهادية الإسلامية عند الجنود.
– الحرص على أمن وسلامة النظام الحاكم بالدرجة الأولى، وتقديمه على كل شيء.
– إيصال القادة العسكريين الذين تم شراء ذممهم إلى قيادة الجيوش، وتثقيفهم بثقافة العمالة للمحافظة على تنفيذ السياسات الغربية.
ومع كل ذلك فإن الأمل بهذه الجيوش ما زال كبيرًا وقويًا، وما ذكرناه من الحقائق المتعلقة بواقع هذه الجيوش لا يجوز أن يحجب عنا الخيرية الكامنة في هذه الجيوش والتي جعلت الغرب وزبانيته من الحكام العملاء وقادة الجيوش المرتبطين به لا يطمئنون أبدًا إلى إجراءاتهم التي لم تستطع أن تغير إلا نفرًا قليلًا من كبار الضباط، وليس كل الضباط؛ إذ إن هذه الجيوش وضباطها وأفرادها هم من الأمة، والأمة تتطلع إلى هذه الجيوش وتتشوق أن تقوم بنصرة دينها، وإزاحة كابوس الحكام الذي أضناها عن كاهلها. وحتى دين الإسلام يوجب على هذه الجيوش القيام بتغيير الحكام كونهم أهل قوة ونصرة، تمامًا كما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إذ اعتبرهم الإسلام ركنًا في عملية التغيير، وسمَّى الإسلام من يقوم بالنصرة بـ «الأنصار» وقرن ذكرهم بـ «المهاجرين» تشريفًا لهم فقال سبحانه: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٧٤).
والأمة بحاجة ماسة لأهل القوة والمنعة من جيوش الأمة الإسلامية؛ لأنها تريد أن تحكم بالإسلام، ولا يوجد سبيل إلى الاستخلاف والتمكين إلا إذا استجاب بعضٌ من هؤلاء لدعوة الحق. وفي الوقت نفسه، فإن هؤلاء هم أنفسهم من سيكونون مانعًا للتغيير إن لم يستجب بعضهم، وإننا لنلاحظ في الواقع، أنه قد أصبح مطلبًا شرعيًا وعامًا وشاملًا وكاسحًا لأغلبية أبناء الأمة، أنه لا بد من وقوف هذه الجيوش الموقف الشرعي الصحيح، وهذا بحد ذاته يدفع هذه الجيوش أكثر وأكثر لتتحرك بمخلصيها لتأخذ دورها في عملية التغيير، وهذا ما يجعل الذي يتحرك ينال السبق عند ربه ثم عند الناس، ويرفع مقامه عند ربه ثم عند الناس، ويسجل اسمه في صحائف من نور. وإنها لمرتبة قلَّت عندها المراتب، أن يهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ سيد الأنصار.
هذا الواجب الشرعي المتعلق بنصرة هذا الدين وإظهاره متعلق تحديدًا بأهل القوة في الجيوش، وعليه فإن هؤلاء في موقع خطر جداً: إما أن يكونوا في موقع النصرة، وإما في موقع المواجه لها؛ حيث سيستخدمه أعداء الإسلام ضد إقامة الخلافة، كما يحدث اليوم مع الجيوش في إطاعتها لأوامر الحكام العملاء للغرب فيما يسمونه بـ «الحرب على الإرهاب» والذي يستخدمه الغرب كشعار زائف لمحاربة عودة الإسلام إلى مسرح الحياة.
واليوم، ومع ملاحظة أن الأمة الإسلامية تتهيأ لاستقبال المولود الجديد خلافة على منهاج النبوة، فإننا نجزم بأن حاجة الأمة لجيوشها أصبح مطلبًا ملحًا لإنقاذها من شر حكامها، ومن تسلط أعدائها عليها؛ فلا بد من وقوف هذه الجيوش موقفها الشرعي؛ وهذا بمثابة دعوة لتتحرك هذه الجيوش وتأخذ مواقعها… فإن سارت ونصرت دينها وأهليها وأصبحت كالأنصار فبها ونعمت. وإن تخلفت، فإن الإثم العظيم سيلحق بها، والجيوش التي تدخل في طاعة حكام الجور اليوم هم شركاء للحكام الظلمة في ظلمهم وجرائمهم، ولا يجوز لهم معصية خالقهم في طاعة حكامهم هؤلاء، ولا أن تعينهم على ظلمهم وتشاركهم في جرائمهم… هؤلاء الجنود والضباط يسيرون مع حكامهم كأنهم صم بكم في عماية، ويتركون هداية الله لهم في إقامة الجهاد في سبيل الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ما ترك قوم الجهاد إلا عمَّهم الله بالعذاب». وقال أيضًا: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».
فأي ذل وأي عذاب هذا الذل والعذاب الذي تعيشه الأمة اليوم؛ إن كل ذلك إنما هو بسبب تخليها عن تطبيق الإسلام، وتخليها عن فرض ربها في إقامة الدين بإقامة دولة الخلافة، وإقامة فرض الجهاد في سبيل الله الذي ترعاه الدولة وتخوضه حتى تكون كلمة الله هي العليا… وكان ذلك أيضًا بسبب ركونها إلى الدنيا والسكوت عن الحكام الطواغيت. إن الأمة اليوم بعد أن جربت غير الإسلام وخربت على نفسها دينها ودنياها، فهي تريد العودة إلى ما كانت عليه في سالف عهدها من عز الحياة في كنف الإسلام، وهي تنتظر مثل المهاجرين الذين قاموا مع الرسول صلى الله عليه وسلمبأعباء الدولة والحكم وحسن رعاية الشؤون، وإلى أمثال الأنصار الذين آووا ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته وقبلوا أن تقام في أرضهم دولته. فأيهم يستحق أن يكتب اسمه في سجل الإسلام الناصع؟ أليس هو من يتقدم ليكون عند الله من السابقين في آخر هذا الزمان، من الذين يعملون لإحياء الكتاب والسنة فيجدون أشد وأعنف مما لاقى صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم معه، والذين قال عنهم الرسول إنهم أحبابه، وإنهم يلاقون في سبيلها أشد وأعنف مما لاقاه الصحابة، وانهم لا يجدون على الحق أعوانًا، وإنهم في أكناف بيت المقدس، وإنهم في هذا الظرف العصيب يأتيهم نصر الله؟. وأيهم يقدم نفسه فداء لنصرة هذا الدين، ويتبع بإحسان ما قام به أنصار الزمان الأول مع الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أليسوا هم الرجال الرجال أمثال سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن لموته؟ بلى إنهم هؤلاء، والله ناصرٌ من ينصره (وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ).
والناظر لحال الأمة وحال الجيوش يجد أن هناك فجوة عميقة أقامها الحكام بينهما ويجب ردمها. فأمة الإسلام أمة دين حق، أمة جهاد وقتال أملت عليها عقيدتها نشر الإسلام بالدعوة والجهاد، وهي تتوق للجهاد وتحب الاستشهاد رغم كل ما أصابها من حالة الوهن المرضية، وهذه مهمة الجيوش الإسلامية، والأمة تريد من جيوشها أن تقوم بفرض ربها، بينما الغرب الكافر أنسى قادة الجيوش الخانعين هذه المهمة الشرعية الجليلة، هذه هي الفجوة التي بين الأمة والجيوش، أما عملية ردمها فتقوم على أخذ القرار بحق قادة الجيوش هؤلاء؛ لأنهم عملاء، مثلهم مثل الحكام، وكما قلنا فإن قادة الجيوش هؤلاء هم قلة مأجورون، وهم يسوقون سائر ضباط الجيوش وأفرادهم بعكس ريح الإسلام، وإن المطلوب شرعًا من المخلصين في هذه الجيوش أن يوجهوا قوتهم ضد أعداء الأمة ومن والاهم من هؤلاء الحفنة التي سلمها الغرب قيادة هذه الجيوش، وإن صدق العزم عند هؤلاء المخلصين، فإن الله الذي تكفل نصر هذه الدعوة في بواكيرها، ووعد بنصرها ما استقامت على الطريقة، فإن الدعوة تنتظر من يتقدم من أبنائها لنصرتها، وهنيئًا لمن يستخدمه الله في نصرته.
إن نصرة الدين اليوم هي أوجب من أي وقت، ولا وقت للتخاذل ولا للسكوت عما يصيب الأمة من هوان وصغار، وما تقع به من مذابح تنتشر انتشار النار في الهشيم في كل أراضيها، وتطال كل المسلمين، ولا تفرق بين صغيرهم وكبيرهم، وتهدم بلدانهم فلا تبقي حجرًا على حجر… كل ذلك لأن الغرب الكافر بات يلمس بشكل قطعي أن هذه الأمة تريد العودة لدينها وهو يعمل على منع ذلك بالمكر والإجرام على النحو الذي نراه، وخاصة في سوريا…
فهل يرضى من عنده بقية من إيمان بأن تستمر هذه المآسي وفي يده قوة ثم لا يستعملها بإحسان، كما فعلها الرسولصلى الله عليه وسلممع الأنصار الأوائل الذين سلموه الحكم فأقام بهم الدولة التي سعى لإقامتها ونجح بنصر الله وبتوفيقه وبمنه وبكرمه بإقامتها؟. نعم إن أوضاع المسلمين المأساوية تتطور بشكل مأساوي، وهي لم تترك خياراً أمام أحد من المسلمين، بل أصبح المسلمون مع هذه الأوضاع ملزمين بأن يكونوا مع دينهم، ومع أبناء دينهم، ومأمورين بنصرة دينهم أمام هذه الهجمة الكافرة الشرسة.
وهنا وصل الكلام بنا إلى الانتهاء بالقول إن الأمة قد أخذت أمرها بأنها تريد الحكم بما أنزل الله، وأن في الأمة من امتلك القدرة على الحكم بما أنزل الله، وبقي الدور على أهل القوة للقيام بما هو مطلوب منهم شرعًا، فإن لم يقوموا بذلك فسيبقون تحت المقصلة حتى يقوم من يريد الله إعزاز دينه بهم، وعلى هذا يبقى أن نقول: إن أهل القوة هم جميعًا تحت الإثم إلا من يعمل منهم لنصرة دينهم، وليعلموا أنهم إن لم يكونوا في فسطاط المسلمين، فسيكونوا في فسطاط دول الغرب الكافرة وحكام المسلمين المنافقين.
إن اختيار الله لنا لحمل راية الإسلام هو اختيار تكريم ومنّ وعطاء. فإن لم نعمل لأن نكون أهلًا لهذا الفضل، وإن لم ننهض بتكاليف هذه المكانة، وإذا لم ندرك قيمة ما أعطانا، فإن الله يسترده منا ويستبدل بنا غيرنا قال تعالى: ﴿َإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم ﴾.
إن مواجهة التحديات الجسيمة التي تواجهها الأمة، سواء لإنقاذها بإقامة خلافتها، أو بتحقيق وحدتها، أو بتحرير ما احتل من أراضيها… لا يمكن أن يتأتى من خلال الأعمال الفردية، أو الدعوات الجزئية الإصلاحية، أو الترقيعية… بل يجب أن يكون من خلال امتلاكهم لإرادتهم، واستعادتهم لسلطانهم، وجعل رسالة الإسلام والأخوة الإسلامية وحدها هي الرابط بين أبنائها، وذلك بأن تكون دولة الخلافة الإسلامية هي النموذج الشرعي والعملي الوحيد المؤهل لتحقيق ذلك، وبالاعتماد على قوى الأمة الحقيقية، وفي مقدمتها تلك الجيوش الحامية لسلطان الإسلام.
وعلى الرغم مما تعانيه الأمة من تلكؤ أهل القوة عن القيام بنصرتهم، إلا أن واجبها أن لا تيأس من جيوشها،ِ وأن تطلبَ من الجيوش ِالذين هم أبناؤُهُا أن لا يَبقوْا صامتين على حكامهم العملاء الأنذال. وأن لا يسمحوا أن تكونَ أسلحتـُهُم للاستعراضاتِ العسكريةِ والتشريفاتِ، وأن لا يُشهروها بوجهِ المخلصينَ مِن أبناءِ الأمَّةِ إرضاءً لِحُكامِهم… ويجب عليهم أن يعملوا لأن يجاهدوا في سبيل الله حقَّ جهادهِ، كما أن الواجبُ عليهم أيضاً خلعُ هؤلاء الحكام عن كراسِيِّهمْ، ومُناصَرَة أهل الحق الداعين للخلافةِ الإسلاميَّةِ الراشدةِ… فالأمة بحاجة لأيد متوضئة تقطع يد كل دولة عميلة تمدها لتصافح يد كل دولة كافرة، تريد رجالًا مثل صحابة رسول الله، تريد رجالًا إذا استفزوا في دينهم وأعراضهم أن يستفزوا. فالأمل موجود بالضباط والجنود المخلصين، والأمة تنتظرهم بفارغ الصبر لياخذوا دورهم في حماية أبنائهم وأهاليهم وقبل كل شيء دينهم، تنتظر أن يستجيبوا لاستنصارات واستغاثات أهل الشام وفلسطين والعراق ومصر وليبيا وأفغانستان ومينمار والصومال… نعم الكل ينتظرهم، فهل من مجيب؟!
وعلى هذا، فالأمل لا زال موجودًا، ولا بد من تعزيز ثقة الأمة بجيوشها، وإيجاد الثقة لدى الجيوش لإقامة دولة الاسلام، دولة الخلافة الإسلامية، والتي ستنشر رسالة ربها للعالمين، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٥٤).
نسأل الله تعالى أن يعيننا، ويهدي جنودنا لنصرة ثلة الخير التي تقوم بهذا الفرض العظيم، فرض إقامة الخلافة، وأن لايجعلنا ممن تولوا فيستبدلنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥).