خطبة جمعة من سوريا الشام
2013/01/01م
المقالات
2,506 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة من سوريا الشام
هذه الخطبة ألقاها أحد شباب حزب التحرير في سوريا (أبو عبيدة) في 30/11/2012م في جامع المصلى في حي الكلاسة، وكان موضوع الخطبة: «الثقة بالله وبوعده وبنصره». وهي خطبة امتلأت باللهجة المخلصة، والأفكار الصادقة، وكانت كلماتها المستنيرة تستهدي بالعقيدة الإسلامية لتنير درب المسلمين المدلهمة من ظلم النظام السوري المجرم ورئيسه السفاح. ومما جاء فيها بعد حمد الله تعالى والثناء عليه سبحانه بما هو أهله، قال:
أما بعد، فيا حماة الإسلام وحراس العقيدة:
لما قربت مهزمة الروم في عهد الخلفاء الراشدين، قال هرقل ملك الروم وهو على أنطاكيا: ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم، أليسوا بشراً مثلكم؟ قالوا بلى، فقال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن. قال: فما بالكم تنهزمون؟ فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار ويوفون العهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتناصفون بينهم، ومن أجل أننا نشرب الخمر ونزني ونرتكب الحرام وننقض العهد ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط وننهى عما يرضي الله ونفسد في الأرض. فقال: أنت صدقتني. وسأل هرقل هذا رجلاً كان قد أُسر مع المسلمين فقال: أخبروني عن هؤلاء القوم فقال: أخبرك كأنك تنظر إليهم، هم فرسان في النهار رهبان في الليل، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربوا حتى يأتوا عليه. فقال: لئن كنت صدقتني ليملكُنَّ موضع قدمي هاتين. نعم إن المسلمين سيملكون إذا ثبتوا على دينهم موضع قدمي أوباما وكاميرون وساركوزي وبوتين بإذن الله تعالى.
أيها المسلمون في الشام الأبية: إن القلوب إذا أفرغت من حلاوة الإيمان، وضعف يقينها بالرحمن، وخبا شوقها نحو الجنان؛ حبس الله نصره عن هذه الأوطان، حتى تعود ثقتها بربها وتطلب منه العون والغفران، ويعود للعقيدة نورها فتحكم الأمة في الأرض بالقرآن الكريم والسنة المشرَّفة؛ عندها يتنزل النصر من الله على المسلمين فترجع من جديد أمة صامدة لا يعتريها ذل أو هوان، ولا تخشى من عدوها البطش أو الطغيان، فالله وليُّها وهو ناصرها، وبقدرته لن تذوق يوماً طعم الهزيمة أو الخذلان
أيها المسلمون: تعيش الأمة اليوم مخاضاً عسيراً وهي في طور التخلص من حكامها الطغاة الذين عاملوها بالحديد والنار وحكموا فيها بشريعة الغاب شريعة الجاهلية. ومن الطبيعي أن كل ولادة يسبقها مخاض عسير وأليم. وها هي الأمة تشرف على وضع مولودها الجديد، إن شاء الله تعالى، وهو الخلافة الإسلامية التي ستقضُّ بمجيئها إلى الدنيا مضاجع أميركا وحلفائها، وتتصدع لأجلها عروش الكافرين. إنها الفجر القادم للأمة التي لطالما اشتاقت إليه وتطلعت به إلى حياة كريمة يظلها الحكم بشريعة الله، ولكن الغرب الكافر الذي يموت بغيظه الآن يحاول إجهاض هذا المولود وإماتته بتخويف الأمة: تارة بصواريخ عابرات للقارات، أو تصوير الخليفة بأنه سفاح مستبد، أو بزرع اليأس في صفوف الثائرين على حكامهم بأنكم لن تنتصروا على الغرب الكافر مهما توحدتم لأن ميزان القوى يقضي بالتفوق العسكري الغربي على بلاد المسلمين، وتارةً بقولهم إن الخلافة ليس وقتها الآن، وتارة بقولهم احذروا من المناداة بالخلافة بحجة أن ذلك يغضب أميركا وحلفاءها؛ فحينها ستقطع عنا المال والسلاح، ملوِّحين تارة بمثال العراق وسقوطه، وأفغانستان واحتلالها… وأنا أقول لهم: خسئتم يا أتباع الطاغوت، وخسئتم يا من تحذون حذوهم من أبناء جلدتنا المسلمين، فالله يرد عليكم بقوله: ]أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ [. ولله درُّ الشاعر حيت قال:
يا شامُ، لو دكّـــُـــــوا بيوتَك فاثبُتي إنَّ الحجارةَ من قواعدِ صبرِنا
هــــــذي الدمـــاءُ زكـــــيةٌ مــهراقــــــةٌ في الحقِّ لن تُهدَرَ وحسبُكِ ربُّنا
يا شامُ، لو طال الحصارُ وشدَّدوا طَوْقَ الخِناقِ، فإنَّ نصرَكِ قد دنا
رغمَ الأنوفِ نراه يُشرقُ ســاطعاً نــــــوراً بــدا فـــــوقَ المدائنِ حـــــــولَنا
إخواني أين ثقتنا بالله عز وجل؟! أين ثقتنا بقدرة الله تعالى على نصرنا مع قلة عتادنا وعدتنا؟!أنسيتم أن الصحابة رضوان الله عليهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتلوا عدوَّهم يوماً إلا وهم أقل منهم بكثير في العدد والعدة. وفي كل زمان تخرج علينا فئة فتقول:] لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ[ فيهيئ الله عزَّ وجلَّ من يقول لهم: ]كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [. واليوم الوحيد الذي كان فيه المسلمون أكثر من عدوهم هو يوم حنين، وهو اليوم الذي أراد الله فيه أن يؤكد للمسلمين أنهم لا ينتصرون بقوتهم الذاتية فقط، فقد تردَّد بين جيش المسلمين آنذاك أنهم لن يغلبوا اليوم من قلة؛ فأنزل الله فيهم: ]وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [. وإنه وإن كان الإعداد حكماً شرعياً، والله لا يقبل من المسلمين أن يكتفوا بالتقوى والتوكل عليه دون الأخذ بالأسباب المادية. إلا أنه سبحانه قد كفل للمؤمنين النصر ووعدهم، وهو الذي إذا وعد لا يخلف وعده، فقال: ]إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [
أيها المسلمون:
لازال في الأمة أناس مثبطون يزرعون اليأس في صفوف المسلمين من عودة الخلافة الإسلامية بحجة عدم جاهزية الأمة، وكأنه مشروع دنيويٌ لنا فيه خيار التأجيل، ونسوا أنه فرض من الله كفرض الصلاة، وبحجة أننا أضعف من أن نعلنها أمام العالم لأن قوة حلف الناتو كما يقولون تفرض علينا الانحناء أمام العاصفة والرضى بالتبعية للغرب. وبقيت آيات النصر تلقى على مسامعنا وكأنها ضرب من ضروب الخيال أقول لهؤلاء: أخبروني بربكم: كيف نسأل الله النصر على أعدائنا في الدعاء، ونحن لا نثق به ولا بقدرته على نصرنا مهما تكالبت الأمم علينا؟! ألم تتدخل القدرة الإلهية في غزوة الأحزاب يوم حوصر المسلمون من قبل حلف الناتو على جبهة المدينة وهم يتخوَّفون على نسائهم وأولادهم من شبيحة بني قريظة يوم خانوهم، لقد بلغت القلوب الحناجر وسدت الأبواب كلها أمامهم. وكانت النتيجة المتوقعة منطقياً ومادياً هي أن الأحزاب سوف تبيد المدينة بمن فيها، وراح المنافقون كما يفعل المثبطون اليوم يشككون بنصر الله عز وجل، ولكن قدرة الله سبحانه وتعالى تدخلت، وريح الله هبَّت؛ فقلب موازين المعركة فتحولت إلى هزيمة للأحزاب الذين تكالبوا على الدولة الإسلامية كما يتكالبون علينا اليوم، وكما هزمهم الله سبحانه وتعالى البارحة فسيهزمهم اليوم رغم ضعف قوتنا العسكرية أمامهم. قال الشاعر:
رباه إن الروم قد غدروا بنا والفرس تردفُهم وتُهلكُ حرثَنا
حتى الذين نظنهم إخواننا ولَّوا لنا أدبارهم ووشَوا بنا
لم يبق إلا أنت نلجأ عنده لبيك يا الله غيرك ما لنا
هي ثورة لله يعلو صوتها لبيك يا الله جئنا كلنا
جئنا ملايين لنفدي ديننا ولجنة الفردوس تاقت روحنا
لبيك يا اللهُ، إن حياتنا هانت لنُرجع من جديد عزنا
لبيك يا الله، إن نحورنا رهنُ انتصار الحق فاقبل رهننا
لبيك ما خُنَّا ولا عن حقنا يوماً سنرجع أو نلاقي حتفنا
إما الشهادةُ صادقين ننالُها أو ننتصر حق عليه يقيننا
أيها المسلمون: ثقوا بالله وبقدرته على نصرنا، ثقوا بالله كثقة زوجة إبراهيم هاجر بربها يوم تركها نبينا إبراهيم في وادٍ تنعدم فيه الحياة. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذاً لا يضيعنا الله أبداً. وأنا أقول لكم: إذاً لا يضيعنا الله أبداً، فالرزق بيد الله، والأجل بيد الله، فعلى أي شيء نخاف؟! ومن أي شيء نخشى؟! نحن نسير في الحياة كسفينة نوح، إنها صنع بشري عادي. إنها ذات ألواح ودسر. لكن مع الثقة بالله عز وجل سوف نخوض غمار البحار العاتية، ولسوف تجري بنا في موج كالجبال، و]إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ ويشترط الله سبحانه لينصرنا أن نثق به وحده، وأن نعتمد عليه وحده، ونستعين به ونتقيه وحده في أعمالنا، وأن نسعى لإقامة حكمه في الأرض دون تنازلات، وأن لا نستعين بأميركا وحلفائها في أمر من أمورنا، أو أن نتخلى عن الحكم بشريعته ونتنازل عنها خوفاً من أعدائنا، قال تعالى: ]أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[. وأختم قولي بحديث خبَّاب بن الأرتّ رضيَ اللَّهُ عنه قال: «شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ ، فَقُلْنَا : أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا ؟ فَقَالَ : قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ في جْعلُ فِيهَا ، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن ، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ ، ما يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لا يخافُ إِلاَّ الله والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رواه البخاري .
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى أما بعد، إخواني الكرام: إن أعداءنا يحاربوننا لأجل ديننا ليل نهار، فهم حاربونا من قبل واحتلوا بلداننا، وسواء عندهم أنادينا بالخلافة الإسلامية أم تخلينا عنها، فها هي غزة وفلسطين، وها هي العراق وأفغانستان وميانمار وغيرها كثير أكبر مثال.
إن الإيمان بأن الله أنه هو الرزاق وحده، وأنه هو وحده الذي بيده أجلنا، وهذا يقتضي منا ألا نحسب حساباً لأحد؛ فلا نخشى من حصار الغرب لنا اقتصادياً لأن الله معنا، ولا نخشى من صواريخ الغرب وطائراته لأن الله ناصرنا، ونحن قادرون على التصدي لقوى الشر الموجودة في العالم مهما كانوا يملكون من قوة. فهم إذا كانوا قدملكوا القوة المادية فنحن معنا تأييد الله سبحانه وتعالى ووعده لنا بالنصر. وإن روح الشهادة الموجودة في الأمة بجانب ما تملكه من إمكانات مادية لم تستغل الاستغلال الأمثل بسبب فساد الحكام وعمالتهم لأسيادهم وغرور القوة الأميركية يجب أن لا تفارق المسلمين لحظة واحدة. فالخلافة قادمة بعون الله لنا.
ثم كانت الصلاة والسلام على النبي والدعاء.
2013-01-01